في محاضرة قيّمة بمنتدى الفكر العربي ألقاها السيد الصادق المهدي، أحد أبرز السياسيين ورجال الفكر في دولة السودان الشقيق، قال عبارة استوقفتني؟ هل كان الشافعي شافعياً، والحنفي حنفياً، والحنبلي حنبلياً، والمالكي مالكياً؟ لقد كان الأئمة الأربعة أرحب صدراً من أن يوقفوا باب الاجتهاد أو يقصروه عليهم، وأن المذاهب سميت بأسمائهم من أتباعهم وليس منهم. 
ولا شك أننا نعيش في زمان لم يعد مقبولاً فيه ادعاء احتكار الحقيقة من أحد، مهما كان، ومهما بلغ مِن علو الشأن والمنزلة الرفيعة. 
ولما زرت إيران محاضراً في أواخر العام (1999)، أُعطيت كتاباً من قبل رئيس الجمهورية "محمد خاتمي" يدحض فيه فكرة ولاية الفقيه التي تقوم على فكرة أن الإمام هو أعلم من فوق الأرض، وتحت السماء، وأن الباطل لا يأتيه من بين يديه ومن خلفه. وما يزال هذا الموضوع مركز خلاف بين المفكرين الشيعة. 
ومثلما نحن بحاجة الى إعادة فتح باب الاجتهاد والقائم على الحقيقة والعلم في شؤون ديننا، فنحن بحاجة الى فكر مشابه في مواجهة أمور دنيانا، وبخاصة اقتصادنا. 
نحن لسنا مضطرين أن نكون انفتاحيين رأسماليين مميزين للقطاع الخاص، ولسنا مضطرين الى الاحتفاظ بقطاع عام كبير وفائض وضعيف الهيكلة والإنتاجية؟؟ فلا هذه المدرسة ستؤدي الغاية، ولا تلك. 
ولذلك فإن التساؤل الذي يثيره البعض حول النصوص الدستورية المعدلة. والتي لم تأت بتحديد واضح لهوية الاقتصاد الأردني، عليهم أن يترووا قليلاً. الأصل أننا دولة لا نستطيع أن نعالج أمورنا بالاعتماد على قطاع خاص أو على قطاع عام. ولكن المسألة الديناميكية التي ستواجهنا باستمرار هي: أين يكون التوازن بين الاثنين؟؟
من الواضح أن حجم القطاع العام قد كبر الى حدّ صار هو نفسه ينوء بحمله.  والموازنة بالكاد تقدر على مواجهة التزاماتها الثابتة. ولذلك لا يوجد لديها العزم ولا القدرة على القيام بمشاريع رأسمالية هي من صميم اختصاصها.
وهي تعمل وسيطاً بين من تقدر عليهم ومن لا تقدر عليهم.  فوزير النقل يصدر قراراً بتحديد حمولة الشاحنة القادمة من العقبة بحاوية واحدة علماً أن المسموح به لها ضمن معايير الحمولات المحورية على الطرق هو اثنتان. ولذلك عمل وزير النقل من عنده على حل أزمة بطالة الشاحنات على حساب التجار والصناعيين!
وجرى ترخيص لبعض البسطات الواقفة أمام الدكاكين علماً أنها تقف على قارعة الطريق، وتأخذ كهرباءها بدون ترخيص أو مقابل. وهكذا حللنا أزمة أصحاب "البسطات" على حساب التجار المرخصين ودافعي الضرائب.
ويقال إن الأدلاء السياحيين في البتراء تدخلوا ونجحوا في منع تأجير سماعات للسياح عليها أشرطة لتفسير مواقع البتراء باللغات الأجنبية، وذلك لكي يبقى الأدلاء هم الذين يكسبون عيشهم على حساب موزعي التكنولوجيا الحديثة. 
وهنالك عشرات الأمثلة التي تقوم فيها الحكومة بدور الموزع عن طريق غير الضرائب والنفقات ملزمة القطاع الخاص بدعم نشاطات في السوق تضر بمصالحهم. 
إذا مرضت الموازنة العامة مرض معها القطاع الخاص، فهل ينفعنا في هذه الحال أن نهمل القانون، ونترك الباب مفتوحاً على منافسات وخلافات داخل الأسواق طلباً للعيش ونتساءل بعد ذلك كله إذا كانت لدينا فلسفة اقتصادية ونحن في وضع صعب كهذا الذي نحياه؟؟

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة   جواد العناني  جريدة الغد