اظهرت استطلاعات رأي نشرتها "الغد" ان نسبة معقولة من طلبة الجامعات لم يسمعوا بالتغيير الحكومي أو لم يأبهوا له. مسوحات سابقة اظهرت ضحالة في مستوى المعرفة بالشأن العام لدى قطاع الشباب. الجيل الجديد يعرف عن آخر منتجات هوليوود اكثر مما يعرف عن مآلات السياسة وتاريخ البلد ومنتجه الثقافي.
ولا ضرر في ان يلم الجيل الجديد بمنتج المؤسسات الثقافية والفنية الغربية. على العكس, ففي ذلك فائدة. فالعالم الآن اصبح سوقاً واحدة لترويج القيم والافكار والآراء كما السلع. والإلمام بما يجري في دول وثقافات اصبحت, بحكم قوتها, تفرض سطوتها الثقافية والسياسية, كأساس لصياغة منظومة دفاعية لحماية ثقافات تبقي التنوع الذي يثري الفكر الانساني.
لكن الخطر هو في دوافع اللامبالاة التي يظهرها غالبية الجيل الجديد تجاه الشأن العام, اضافة الى الاسباب التي ادت الى تلك الحالة.
المشكلة الاولى هي في تسويق المنتج الثقافي والإرث الوطني. فالمدارس, ولسنوات عديدة هي عمر اكثر من جيل, غابت عنها التربية المدنية التي تكرس مبدأ المواطنة وثقافة التفاعل مع المحيط. ولم يكن في المناهج او النشاطات غير المنهجية ما يكفي ليطور قناعات تؤمن بأهمية الانخراط بالشأن العام, أو تنمي الاهتمام بتاريخ البلد وأهله.
اما وسائل الترفيه التي ينشأ عليها الجيل الجديد, فهي "كونية" في مصدرها وفكرها. فالمحطات الفضائية وألعاب الكومبيوتر وغيرها من أدوات التسلية و"التربية" التي ينمو معها الجيل الجديد صممت لتصلح لكل زمان وثقافة ومكان. ولا فائدة مضافة منها في تنمية دراية بالبلد وشؤونه وشجونه.
ربما تكون القناعة بعدم القدرة على التأثير, وغياب المشاركة في صنع القرار وتغييب ثقافتها, من الاسباب الرئيسة وراء عزوف الجيل الشاب عن الشأن العام.
فالطالب في الجامعة يفرض عليه كل شيء, ويزود بما يمكن وصفه بقائمة "ممنوع ومسموح". وحتى مجالس الطلبة التي يفترض ان تعكس خيار الطلبة, ولا احد غيرهم, تعين الجامعة نصف اعضائها. ومع غياب القناعة بامكانية إحداث أثر في صيرورة الأمور في جامعاتهم, يعزف معظم الطلبة, إلا المؤدلجين عقائديا منهم, عن الانخراط في أي نشاطات مؤسسية. وفي مثل هكذا بيئة, أصبحت الجامعات قاعات تدريس لا ساحات تكوين قناعات, واطلاق ابداع.
وفي الاطار الأوسع, تغيب ثقافة المشاركة في صنع القرار وأي ممارسة لها. فالمواطنون يرون القرارات تتخذ ويتراجع عنها من دون اي جهد لإقناعهم بسبب اتخاذ قرار أو العودة عنه. وشعر المواطنون بغربة عن صناعة القرار. وفقدت الحكومات صدقيتها, وتزعزعت ثقة المواطنين بامكانية ديمومة أي سياسة. التهميش ولّد الغربة والغربة انتجت عزوفا.
لجنة الأجندة الوطنية تعمل الآن على صياغة استراتجيات عمل حول محاور اساسية ستؤسس لبرامج عمل تمتد سنوات. النجاح في التزام اهداف اللجنة المعلنة وآليات عملها, سيولد حركة تصحيحية في نظرة المواطنين نحو الدولة. اعلان سياسة معينة ضمن خطة تحدد اهدافها والأسباب الموجبة لها وتعمم منهج الحوار حولها, ستوفر للمواطنين معياراً لتقويم الأداء.
تحقيق الأهداف المعلنة سينتج تقويما ايجابيا. تراكمية الانجاز في تحقيق الأهداف واعتماد منهج التواصل وبناء القناعات للسياسات العامة, قد تعيد الثقة في الحكومات, وقد تقدم سبباً للعودة عن العزوف.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد