قررت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما أن تقطع معظم التمويل الذي تقدمه الى منظمة اليونسكو بباريس بسبب فوز التصويت لصالح عضوية فلسطين الدائمة فيها بنسبة 81 %، أو بنسبة أعلى من نسبة الثلثين المطلوبة. ويبلغ مجموع مساهمة الولايات المتحدة في موازنة اليونسكو السنوية حوالي 80 مليون دولار، أو ما يساوي 22 %، وكان قد استحق منها مبلغ 60 مليون دولار خلال الفترة القليلة المقبلة.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها الولايات المتحدة مواقف مشابهة في منظمات الأمم المتحدة، فقد انسحبت الولايات المتحدة سابقاً أو جمدت عضويتها في كل من منظمة الأغذية والزراعة الدولية FAO، التي مقرها روما وانسحبت كذلك من منظمة العمل الدولية، وذلك في مطلع الثمانينيات، وتاريخياً لم تكن على علاقة جيدة مع اليونسكو.
وقد كان السبب في كل مرة يتعلق بفلسطين، أو بالتصويت على قرار مؤيد لفلسطين رأت فيه الولايات المتحدة جوانب تتعارض مع المصالح الإسرائيلية. والعجيب أن الولايات المتحدة هي التي تنسحب، أو تجمد عضويتها، بينما إسرائيل تبقى عضواً، ولا تتخذ قراراً بالانسحاب.
وأذكر العام 1980، أن الوفد الأردني برئاسة الوزير عمر النابلسي آنذاك، استطاع أن يحصل على قرار إدانة ضد إسرائيل بسبب سوء معاملتها للعمال الفلسطينيين تحت الاحتلال. ولكن الولايات المتحدة أصرت على أن ذلك القرار كان سيئا. وبانسحابها امتنعت الولايات المتحدة عن تسديد التزامات العضوية البالغة تقريباً ربع موازنة منظمة العمل الدولية.
وكذلك حصل الشيء نفسه في منظمة الأغذية والزراعة الدولية لما كان يديرها السيد "إدوارد سوما" اللبناني الأصيل، ولقرار مشابه يتهم إسرائيل بالإساءة الى الحقوق الأساسية للمواطنين العرب تحت الاحتلال. فقالت الولايات المتحدة، كعادتها، إن هذا الأمر يهدد بتسييس هذه المنظمة، وإن مثل هذه القرارات السياسية يجب أن تؤخذ في مجلس الأمن، لا في منظمة فنية مثل الـ"فاو"، أو "اليونسكو"، أو "الأي إل أوه"، أو منظمة العمل الدولية.
وبالطبع، فإن الولايات المتحدة كانت تعود ثانية الى عضويتها وتعدل عن قرار الانسحاب أو التجميد. ويلاحظ أن هذه القرارات تؤخذ داخل المنظمات التي تعتقد الولايات المتحدة أن مساهمتها المالية سوف تؤثر بشكل سلبي كبير على موازنات هذه المنظمات، ولكن في كل مرة تستطيع هذه المنظمات أن تدبر أمورها، وتستمر في الحياة بدون المساهمة الأميركية أو عضويتها.
ولقد استطاعت منظمة الأمم المتحدة بأسرها أن تعيش رغم تأخر الولايات المتحدة عن سداد المستحقات عليها؛ حيث بلغت قيمة المبالغ المتأخرة حوالي 1.5 مليار دولار. وقد لجأت المنظمة الى الاقتراض من أجل مواجهة التزاماتها. ويصر الجانب الأميركي على إعادة هيكلة المنظمة بأكملها لاعتقاده أن فيها إنفاقاً كبيراً غير مبرر، وأنها بيروقراطية قليلة الإنتاجية والكفاءة.
في الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة تفقد بعضا من قبضتها ونفوذها على المنظمات الدولية، تصر هذه المنظمات على احترام حقوق الضعفاء والمغلوب على أمرهم في العالم.
العالم ليس عالم بعد الحرب العالمية الثانية حين انفردت أميركا بالنفوذ الأكبر والاقتصاد الأغنى والأوفر. هنالك منافسون يريدون أن يكون لهم دورهم أيضاً. وفرنسا صوتت مع قرار فلسطين في اليونسكو، والمملكة المتحدة امتنعت. وأما صوتا أستراليا وكندا فهما دائماً ناشزان فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، ولا جديد يذكر حولهما.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جواد العناني جريدة الغد