عواصف الفساد انطباعيا كان أو حقيقيا ضربت بلادنا خلال الأيام الماضية، فشغلت الناس والإعلام وخرجت في الأثناء وثائق وعقدت مؤتمرات وجلسات سرية وعلنية، على هامش كل ما يجري لنا بعض الإضاءات والرؤى، وربما التشخيص، لأن ما جرى لم يؤثر على وزير أو وزارة أو حتى رئيس الوزراء، بل على مجمل صورة الوطن..

أولا/ في معرض الحديث عن مواجهة الفساد، نستعمل عادة تعبيرا فضفاضا يوحي بالتعايش مع الفساد، لا القضاء عليه، حيث نقول أننا «نكافح الفساد» ولا نجتثه، والفرق واسع وكبير بين التعبيرين، فالمكافحة قد تستمر إلى ما لا نهاية، أما الاجتثاث فله شأن آخر

ثانيا/ الفساد لا يمارسه إلا صاحب قرار، لأن من لا يملك السلطة لا يستطيع أن يتخذ القرار، ولهذا فالفساد رسمي النبع، ومن أسف، أن ثمة حصانة لصناع القرار، في غياب ما يكفي من شفافية، ومساءلة، لهذا نقول باختصار شديد أن أي اجتثاث للفساد يجب ان يصاحبه رفع للحصانة عن كل المسؤولين، وفتح المجال للصحافة ومجلس النواب لممارسة دورهما بمنتهى الحرية وبلا اي حدود، وفي هذا المجال نتذكر أن ثمة تشريعات صارمة تحاصر الصحافة ومجلس النواب أيضا، تحد من رقابتهما وترصدهما، فمن يستطيع مثلا أن ينتقد سلطة القضاء؟ إن أي كلمة تصدر من صحفي باتجاه هذه السلطة ترسله إلى المحكمة، وقل مثل هذا عما يفعله مجلس الوزراء خلف ابواب مغلقة (قضية الكازينو مثلا) بعيدا عن عيون الصحافة ومجلس النواب، إن غياب الشفافية وعدم الفصل الصارم بين السلطات، يتيح المجال لنمو الفاسد، لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة

ثالثا/ منذ سنوات ينام في مجلس الأعيان مشروع قانون (من أين لك هذا؟) ويبدو أن هذا المشروع سيبقى نائما إلى ما شاء الله، ما يعني ان ثمة تغاضيا عن وضع آلية للمساءلة، وهو قانون كفيل بوضع الفاسد والفاسدين تحت سيف المساءلة، ما يقذف الرعب في قلوب من يخطر بباله أن يفسد، فضلا عن مساءلة من فسد واثرى من لحم وعظم المواطن

رابعا/ في كيان مجاور، لا ندخر جهدا في ذمه وإنزال أفدح الشتائم به، ثمة آلية لملاحقة الفساد والمفسدين، هي مكتب مراقب الدولة، حيث تتمركز رقابة الدولة في اسرائيل بفحص نشاطات السلطة التنفيذية، وما اذا كانت تلك النشاطات تُنفذ وفق مبادئ الاقتصاد، النجاعة، الفاعلية والنزاهة. وله قانون خاص يعمل بمقتضاه، وتهدف الرقابة الى تحسين نشاطات الجهات الخاضعة للرقابة؛ حيث يتم تقديم تقارير الرقابة الى الكنيست ونشرها على الجمهور. ويقوم المراقب، في اطار وظيفته كمفوض شكاوى الجمهور، باستيضاح الشكاوى المقدمة بحق الجهات الخاضعة للرقابة وبعد التحقق من مصداقية الشكوى، يشير الى التصحيحات المطلوبة، علما بأن مراقب الدولة هو مؤسسة مستقلة بذاتها وهو مسؤول امام الكنيست فقط، هذه آلية أثبتت نجاعتها في محاصرة الفساد إلى الحد الأدنى

بقيت ملاحظة على هامش عاصفة الفساد، نسأل: كيف يشمل عفو سنته الحكومة عن الحكومة نفسها؟ بمعنى آخر، هل يملك أحد أن يُصدر عفوا عن ذاته؟؟


المراجع

kermalkom.com

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية