شهد العالم امس بداية تحرك غير مسبوق ضد الفقر. مئات الالوف خرجوا الى الشوارع في صرخة ضد هذه الآفة. من طوكيو حتى لندن، اتحد فنانو العالم او معظمه في تظاهرة موسيقية تقول كفى لفقر يسقط ضحاياه بالالاف في العالم الثالث وتصرخ "افعلوا شيئاً" لقادة الدول الاغنى التي تحرك اقتصاد العالم.
المفارقة ان العالم الاغنى شهد اكبر التظاهرات ضد الفقر قبيل قمة الثماني الصناعية الكبار. العالم الثالث، لم يلحظ، في اكثريته، هذا التحرك. فالعالم الاغنى اقتصادياً هو الاغنى مجتمعياً. فحيث توجد الحرية يوجد الانجاز. وحيث يسكن القمع يتمكن التخلف. والتخلف السياسي يولد تخلفاً اقتصادياً وضحالة فكرية وانحدارا اجتماعياً.
قبل زهاء خمسة عشر قرناً تحسّر الخليفة الراشد عمر انه "لو كان الفقر رجلاً لقتلته". لكن الفقر ليس رجلاً، وهو ما زال حياً. الفقر نتاج سياسات وممارسات.
واليوم تريد منظمات غير حكومية ان تجعل من الفقر ماضياً يذهب الى غير عودة. لكنها ستفشل. فالفقر باق ما بقيت اسبابه. وأسبابه طبيعة انسانية في بعضها، وفشل سياسي، قِيمي واخلاقي في بعضه الاخر.
يتحمل الغرب مسؤولية مساعدة شعوب يقتل الفقر اطفالها، ويحرمها معالجة مرضاها. فالغرب استغل الدول الفقيرة مستعمراً. وهو الذي يثري متاجرة في اسواقها التي تستهلك ولا تنتج ولا تستطيع ان تنافس.
ويساعد الغرب في كبح جماح الفقر من منطلقات مصلحية. فالفقر يعني هجرة الى اسواقه. وهذا حراك سكاني ترفضه دول غربية عديدة وترى فيه شعوبها خطر على اقتصادها وهويتها.
بيد أن تخفيف حدة الفقر يتطلب خطوات لا يبدو ان الدول الغربية مستعدة لاتخاذها.
وهذه الخطوات ليست مقتصرة على توفير ما يكفي من دعم يتطلبه اطلاق مشاريع اقتصادية ناجحة او الغاء ديون تستنفد خدمة فوائدها موارد الدول الفقيرة.
محاربة الفقر تتطلب سياسات تجارية تأخذ بعين الاعتبار ضعف اقتصاديات الدول الفقيرة، وتخلف قدراتها التنافسية. والقضاء على الفقر يتطلب موقفاً واضحاً ضد الفساد وضد الديكتاتورية وضد الاستغلال بغض النظر عن اثر هكذا تحول في سياسات الغرب على مصالحه.
سيجتمع قادة الدول الغنية في اسكوتلندا الجمعة، وسيتحدثون عن الحاجة لمحاربة الفقر خصوصاً في افريقيا، وسيتدارسون اهمية التحرك الشعبي الذي شهدته عواصمهم. لكنهم لن يتخذوا القرارات المطلوبة لبدء مسيرة جدية لانقاذ الملايين من براثنه. وسيتذكر الناس تظاهرات هذا الاسبوع جهداً نبيلاً، شغل العالم، لكن لم يغيره.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد