ثار مجلس النواب الأردني يوم الثلاثاء الماضي (21/5/2013) ثورة مُضَرِية على ما شاهدوه على شريط بثته الشبكات الاجتماعية، رأوا فيه أردنيين يضربون ويشتمون في مسرح المركز الثقافي الملكي. وبالطبع، فإن كل أردني غيور يغتاظ، بل ويتميز غيظاً وألماً، وهو يرى كرامته تهان على أيدي عرب ضيوف.
وفي كل مرة يحدث فيها أمر كهذا، يصاب الشعب الأردني بنوعين من المشاعر. مشاعر غضب، ومشاعر حزن واضطهاد. ويثار المثل العربي "إحنا في الأردن مثل رغيف الشعير، مأكول مذموم". جربنا هذا عندما قام لاجئون سوريون بضرب أردنيين يقدمون لهم الخدمة في مخيم الزعتري. وكذلك قلنا هذا عن كل اللاجئين الذين أتوا إلينا فسمعنا أو رأينا منهم ما ننكره.
ومعضلة صانع القرار معضلة. فأذكر أنني لما كنت وزير خارجية بالوكالة، قامت الحكومة العراقية بإعدام أربعة أشخاص العام 1997 بتهمة تهريب قطع الغيار، وأبقت أربعة لوجبة أخرى. ودعوت السفير العراقي آنذاك وكلّمته من على باب المكتب بصوت عالٍ محتجاً، وطلبت منه أن يقلص عدد الدبلوماسيين في السفارة إلى ثمانية فوراً. ولم أسمح له بالنطق بكلمة واحدة. ونفذ القرار، وخرج ثمانية دبلوماسيين فعلاً.
وقد أحدث هذا الأمر الذي اتخذته بمبادرة من عندي ردة فعل ناقدة شديدة من المغفور له بإذن الله الملك الحسين، الذي قال إنه كان يريد قطع العلاقات الدبلوماسية مع العراق احتجاجاً على أرواح الأردنيين. وسألني بغضبه المكبوت وأدبه الجمّ- رحمه الله-، لمَ تسرعت في القرار ولم تنتظر عودتي؟؟
فقلت له يا صاحب الجلالة، لقد اجتهدت، فأنا كنت أعلم كم كنت ستغضب ولربما تقطع العلاقات مع أشقائنا. ولكن ماذا سنفعل بشأن النفط والتجارة التي كانت تشكل تلك الأيام وريد حياة للأردن بفعل قرارات الأمم المتحدة (الغذاء والدواء)، وكنا قد بذلنا جهوداً جبارة مع الأمم المتحدة لاستثناء الأردن من قرار منع تصدير النفط العراقي.
وقلت لجلالته، إننا إذا قطعنا العلاقات الآن فسوف يعدم أربعة أردنيين آخرين ينتظرون على "الميل الأخضر"، كما يسميه الكاتب الأميركي "ستيفن كنج" إشارة إلى الكوريدور المؤدي إلى غرفة الإعدام.
وقال جلالته "ربما كان قرارك صائباً إكراماً لهؤلاء الأربعة". وبالفعل أطلق سراح الأربعة بعد فترة.
الأردن له ظروف صعبة جيوستراتيجية، ومصالح وثيقة تربطه بالدول المجاورة الشقيقة. وهو دائماً وأبداً في حالة بحث دائم عن الحل الأمثل وليس الحل الذي يريده.
والجواب على كل هذا هو أن نستخدم طاقاتنا وقدراتنا ومزايانا وحتى جوعنا وفقرنا وبطالتنا لتكون أرصدة في سبيل بناء قدراتنا الإنتاجية الذاتية. وهكذا نكون أكثر استقلالاً ومنعة. لقد كانت هذه هي السياسة التي اتبعها الزعيم التركي الراحل "تورجوت أوزال" ، والذي قال لي يوماً وهو موظف في دائرة التخطيط التركية "علينا ألا نسعى لإنهاء الفقر والبطالة بتركيا بالمنح والهبات. فهذا سيعمق الفقر والبطالة"، ولكن "علينا أن نستغل فرصة الفقر والبطالة كي نبني صناعات". وقد كان رغم كل الآلام. وخرجت تركيا بعد ذلك بعشر سنوات من دولة مفلسة إلى دولة تتربع مركزاً مرموقاً بين الدول.
ونحن أمام نفس الخيار. إما أن نأكل مستقبلنا اليوم، أو نبني ثروة تخرجنا من أزمات الفقر والبطالة والدَين وطلب المساعدات إلى بلد عزيز منيع بإذن الله.
ولدينا المقومات: أرض سمحة، وشعب أردني كريم مقدام، وقيادة هاشمية تتمتع بالبصيرة والرؤية والعزم.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جواد العناني حنان كامل الشيخ