من الصعب على كاتبٍ الانصراف يوم الجمعة عن متابعة الحراكات الشعبية التي تشهدها بلاد العرب إلى التوقف أمام شيء آخر، لكنني يوم الجمعة الماضي أصبت بحالة شد متناقض بين ثلاثة مشاهد، كلها تثير الاهتمام، لكن آخرَها يثير الحنق والغضب والثورة.

الأول: ذلك الإصرار المذهل لدى الشعب السوري على نيل حريته مهما كان الثمن، ومهما ازداد القتل والتنكيل بين صفوف ابنائه، دون تفريق بين رجل أو امرأة، شاب أو طفل، وها هي أيام الجمع تتوالى ويزداد زخم التظاهر ويسقط الشهداء والجرحى، فيما يستمر النظام في أسلوبه نفسه في القمع ومحاولة طمس الحقائق، وترويج مقولات غريبة عن عصابات مسلحة وقطاع طرق، وهي روايات لا يأخذها أحد على محمل الجد، ويبدو أن الثورة الشعبية ماضية إلى مبتغاها.

المشهد الثاني: خطبة جمعة جميلة أعجبتني جدا، حيث دأبنا على انتقاد بعض الخطب، إما لطولها أو تبعثر معناها؛ الخطبة كانت عن موقف المسلمين من غير المسلمين، وضرورة اتخاذ موقف مسالم منهم، فالمسلم يرفض الكفر لا الكافرين، وهو معنى استفاض في إشباعه الخطيب على نحو جميل، مدعم ومؤصل بالأحاديث والآيات الكريمة، وإن كان اعتمد بشكل رئيس على حديث مشهور يقول: الخلق عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، وقد تبين لي بعد البحث أنه حديث ضعيف ومن مُنكَر الحديث كما قال البخاري، لكن المعنى الذي دارت حوله الخطبة، كان في منتهى الروعة، فالشكر موصول لصاحبها، الذي أعطى مثلا رائعا للخطيب الذي يجتهد في إيصال معنى واحد ومركّز لمستمعيه دون أن يستنزف أعصابهم بالصراخ والبعثرة والتطويل والإسهاب الممل.

المشهد الأخير: هو الذي استفزني كثيرا، والمتعلق بخبر شاع كثيرا في الصحافة وعلى مواقع الإنترنت، يتحدث عن امرأة عربية ، ويقول إنها أجرت 12 عملية تجميل بكلفة مليوني دولار، كما خضعت لعملية تجميل أخرى بكلفة 800 ألف دولار ، ودفعت 200 ألف دولار أجور توصيل للسائق الخاص مقابل التوصيلات السرية التي كان يقوم بها من وإلى عيادة التجميل.

ماذا بوسع أي عاقل أن يقول عن هذا البذخ في وقت يشهد الصومال مجاعة، ويموت ثلث أطفاله؟ كما يعاني نحو نصف أطفال العرب من سوء تغذية، وملايين الشباب العرب من البطالة، وضيق العيش؟ ماذا يمكن أن تفعل حراكات الشعوب العربية إزاء حالة كهذه، والمخفي أعظم طبعا؟.

أنا عاجز عن التعليق.


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية