يعيش العالم العربي حالاً من الضياع سمتها الرئيسة، والأخطر، غياب رؤية فكرية مستنيرة تحكم راهنه وتحدد مستقبله. في الأفق تياران. واحدٌ يدفع باتجاه مآلات همجية فوضوية تنذر بانهيار فكري حضاري معيشي. وآخر تنويري يجهد لايقاف الانهيار لكنه يحقق أثراً محدودا تحاصره ثقافة اللامبالاة التي تمكنت من الاكثرية من مواطني الدول العربية فهمشت دورها.
خطف التيار الأول الأضواء. صاغ نظرة الآخر نحو مئات الملايين من العرب. فبشاعة ما يقترف من جرائم تحقق انتشاراً لا يحظى به ضده من الفكر والمحاولات التي تحاول أن تعيد لحضارة عربية اسلامية بريقها التنويري ومنجزها الحضاري.
والراهن سيُولد مستقبلاً اسوأ ان لم تستعد الأكثرية الصامتة المبادرة فتترجم رفضها للظلم عملاً، واستنكارها للفكر الضال منتجاً فكرياً يدحضه.
فلا يعقل أن يسرق قلة من الضلاليين اسم الدين فيلصقوا به ما لا يمت له بصلة. وغير مقبول أن ُتجَيَّر اسماء مدننا واعلامٌ في تاريخنا نعوتاً لإرهابيين يغتالون ما ورّثوا من قيم انسانية وانجازات حضارية.
ولا يعقل أن يظل العالم العربي ساحة لاغتيال الكلمة وسرقة الحرية. لا يجوز ان يرد على كلمات جبران تويني وسمير قصير بالسيارات المفخخة.
جريمة أن يظل العالم العربي عاجزاً عن بلورة رؤية حضارية ترفض الإرهاب، وتستأصل الاغتيال وتتصدى للديكتاتورية وتلفظ كل نظام أو شخص أو مجموعة تعطي نفسها حق استباحة حياة الآخرين وخرق حقوق المواطنين وفرض الوصاية على من جار الزمن عليهم فحولهم هدفاً سهلاً لمن امتلك وسائل القمع والقتل والترهيب.
آن لثقافة اللامبالاة ان تضمحل. وآن لثقل الصمت ان يرفع. وحان وقت ولادة حركة نهضوية عربية جديدة منطلقها الفكر المستنير والقيم الانسانية وادواتها الحوار وسمتها الوضوح في رفض كل أشكال التخلف.
في الساحة ما يكفي من مبادرات الاصلاح الفكري والسياسي. لكن الغائب هو منابر عمل جماعية ديمقراطية مقنعة قادرة على تحقيق درجات كافية من الالتفاف الشعبي حولها. وإيجاد تلك المنابر واجب على الدول وحق للمواطنين.
اغرقت الانشغالات بالآني وبتفاصيل الصورة المجتمعات العربية في شباك اللافاعلية التي فتحت المجال امام اختراق الضلاليين للمجتمعات وحالت دون تطور مجتمعي فكري سياسي مؤسسي يهزم الارهاب والاغتيالات والاستبداد. وهذا الأخير, الذي لم تتغير طبائعه رغم تغير طرائقه وتبدل أدواته وتنوع ما يغطيه من ادعاءات الشرعية، هو اساس الشر ورمق حياته.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ايمن الصفدي   جريدة الغد