منذ بدء الزحف الصهيوني على فلسطين في بدايات القرن الماضي لإقامة اسرائيل دولة عنصرية إقصائية في قلب الوطن العربي, كانت المياه تجري من تحت أقدام العرب, الذين لم يستطيعوا إطلاق فعل مضاد يحبط المخططات الصهيونية أو يخفف من درجة الدمار الذي لم تنفك تنذر به.
وقليل هو الذي تغير منذ استطاعت العصابات الصهيونية الاستيلاء على الأرض الفلسطينية ونجحت الماكينة الإعلامية اليهودية في اقناع الرأي العام العالمي بأحقية الاسرائيليين بأرض فلسطين.
فإسرائيل تُنَظِّر وتخطط وتنفذ, والعرب محاصرون بآنية اللحظة وعاجزون عن الخروج من اطار ردة الفعل. وكانت النتيجة أن نجحت اسرائيل في رسم مسار التاريخ الحديث للمنطقة وفرضت مساحات الحرب والحوار في آن. وحملت عقود الصراع خسارة تلو الأخرى للعرب ونصراً مدوياً يتبعه آخر لاسرائيل.
لا تختلف الصورة الآن, جوهريا, عما كانت. فلم تتجاوز أدوات العمل العربي تقليديتها العقيمة, وما انفكت اسرائيل صاحبة اليد العليا في صراعها مع العرب.
وتقدم السنوات الأخيرة دليلا آخر على استراتيجية التفكير الاسرائيلي وعمقه وبعد نظره, وانفعالية المواقف للقوى السياسية الفلسطينية التي تدير الآن القرار الفلسطيني.
ففي الوقت الذي نجح رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون في تحقيق كل مخططاته, فدفن خارطة الطريق وأعاد تعريف مساحات التفاوض حول الأرض والمستقبل, دخلت القوى الفلسطينية في صراعات على السلطة والنفوذ. وبينما استطاع شارون إعادة رسم المشهد السياسي لاسرائيل وفق خطوات مدروسة محددة أهدافها بتمكين شارون أدوات غير مستنفدة لترجمة رؤيته واقعا, تتخبط القوى الفلسطينية في انقسامات وصراعات ستؤدي الى تفكيك ما أنجز على طريق بناء المؤسسات التي تشكل نواة الدولة القادمة. فحماس ترفض, فعلاً, شرعية السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة, وفتح تنقسم على نفسها في صراع أجيال وأهداف ومراكز.
كما حددت اسرائيل مسار الماضي, يبدو انها سترسم طريق المستقبل. وهذا يعني ان هذا المستقبل سيتمخض انتصارات اسرائيلية جديدة, وهزائم عربية أخرى. وسيستمر الفلسطينيون يعانون ويلات الاحتلال للأسباب التاريخية ذاتها التي صنعت المأساة, مضافا اليها فشل حركة فتح في إنجاز التحول المطلوب في ذهنيتها وآليات عملها من فصائل ثورية تقاتل حصرا, الى حكومة تحكم، وتقاتل ضمن خطة مدروسة تقيس الفعل بأثره على الهدف.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد