كنا صغاراً. وكانت حواري المدينة لنا المدارس والملاعب. حفظنا السلام الملكي، وانشدنا "بلاد العرب أوطاني"، ورددنا بعد ذلك ان "بترول العرب للعرب".
عشقنا لعبة الحرب. كنا ننقسم الى فريقين: عرب شجعان مغاوير وأصحاب حق، واسرائيليين جبناء مخادعين دعاة باطل. ولم يحدث ان انتصر الاسرائيليون مرة. فلم يكن للباطل في عالمنا الصغير ذاك أي جولة.
كبرنا. وادركنا ان الاخبار الصحيحة مصدرها الـ BBC. واقلعنا عن لعبة الحرب. فالحقيقة فرغت اللعبة من فروسيتها. نهايتها كانت كذبة لم نعد نستسيغ المضي فيها.
تكسّرت شعارات "امة عربية واحدة" أمام وهن الواقع.
سمعنا عن أنظمة شمولية ودكتاتورية. قرأنا عن انقلابات سياسية ادعى قادتها الوطنية والتطوير. لكننا بقينا ننظر لنهاية هذه الانظمة. حافظنا على قناعاتنا بأن اسرائيل ستهزم. بقيت العواطف ترسخ القناعة بان توحد العرب تطور حتمي.
تغير الكثير مذ ذاك. تكسرت أحلام، وتولدت احباطات جديدة.
اكتظت الحواري. غاب الاطفال عن الشوارع. وتوقفت المدارس لسنوات عن انشاد السلام الملكي. وما عاد لـ"بلاد العرب أوطاني" مساحة في ذاكرة جيل جديد.
ثمة اشياء تغيرت ايجابياً.
زاد عدد المدارس. تضاءلت نسبة الامية. أصبحت عمان حاضرة. وكثرت الجامعات وفُتِحَت آفاق الانجاز لمن كد.
لكن اشياءً كثيرة ظلت.
ظلت الـ BBC المصدر الموثوق.
بقي "بترول العرب للعرب" شعاراً.
ربحت اسرائيل الحرب وتفوقت في السلم والعلم والاقتصاد.
ولم يغير الزمن شيئا من دموية أنظمة ديكتاتورية ما تزال تقتل من دون رادع، وتستبيح اوطانا من دون حساب.
سقطت الديكتاتورية في معظم بقاع الارض إلا بلاد العرب.
لكن الأمل باق. وبين العرب مثقفون وسياسيون لا يزالون يؤمنون بمستقبل أفضل، ويعملون له.
وها هم حفنة من المثقفين العرب السوريين، عمر اميرلاي، فاروق مردم بك ومحمد علي الاتاسي وغيرهم؛ يعزون عميد "النهار" اللبنانية غسان تويني في ابنه جبران الذي قتل وسمير قصير بكلمة. يقولون إنه "ليس لنهر الحرية ان يجف".
ويقولون إنه، رغم "جدار من دخان اسود يسد الارض... ولا يعد بشيء سوى الخراب والموت (ثمة) بصيص ضوء شق شحم الليل
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد