أعتقد أن الحملة التي تسبق الإعلان عن جائزة أهل الهمة قد أوضحت أن من يستحق الفوز بهذه الجائزة هو الشخص الذي تنطبق عليه شروط أهل الهمة! وأظن أنني فهمت أن تلك الشروط تعني الجد والمثابرة والقيادة والأمل والعطاء والذكاء!
لهذا فإن العنوان الذي يسبق كلماتي هو القرار الذي أعلنه من منبري الصغير هذا! والكلام هنا ليس في سبيل التملق ولا النفاق الذي يمكن أن نستشعره من قبل بعض الكتاب تجاه الكبار.. ذلك أن المقصود هنا كبير جدا حتى على فكرة استيعاب واستقبال هذه المناورات المكشوفة!
لكن الذي حصل صباح الأربعاء الفائت وفي صباحات أخرى طويلة أمر يجب ذكره ولا يصح السكوت عنه. ملك في ثوب مواطن بسيط يفعل ما سمعناه وقرأناه مرارا.. ملك يفاجئ بلاده من رئيس حكومتها حتى أًصغر موظف.. يفاجئهم بهمته التي لا تتأزم مع اشتداد الأزمات الداخلية والخارجية ومع اكتظاظ المؤامرات السياسية والاقتصادية ومع اجتماع التكتلات الذكية والغبية.. يفاجئهم ويفاجئنا بأن ثمة إنسانا بهذه الهمة (المتصاعدة يوميا) يقدر على الاقدام على عمل بسيط وسهل وموروث عن أصحاب الضمائر اليقظة من الخلفاء على الأمم و الحلفاء مع أعظم الهمم.
ملك يملك البلاد وبإمكانه، لو سعى إلى ذلك، أن يدخل إلى أي مؤسسة في لحظة مباغتة من دون إعلان وصوله.. ولكن بصفته الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وليس على شكل عجوز أو عامل مسكين، بإمكانه بل من سلطته الدستورية أن يفعل ذلك بكل انسيابية ولن يلومه أحد على مفاجآته تلك! لكن حتى في هذه المهمة الانسانية الراقية لا يريد لأصحاب تلك المؤسسات أن يفرحوا بزيارته أو يلحقوا أنفسهم بإنقاذ ما يمكن إنقاذه ريثما يدخل ويخرج عبر كل باب يصادفه.. وهنا يعرف جلالته جيدا أن ما يحدث في آخر الردهة الطويلة ليس أجمل من ( ترقيع) الصورة الممزقة لصلاحية وجاهزية هذه المؤسسة أو تلك! فماذا يفعل صاحب الهمة حتى ينوء بنفسه عن كل التخيلات والقصص والروايات التي أشعر أنه لا يصدقها تماما! ماذا يفعل وهو القابض على جمر الحلم بوطن زاهي الألوان دافئ الصوت باهي الطلة.. ماذا يفعل وهو الذي ينادي بالإصلاح ويعادي المحسوبيات ويحارب الفساد أينما جاء وكيفما كانت صورته.. لم يبق لدى الملك الشاب إلا أن يجتزأ من جهده ووقته ليصنع تمثيلية هو بطلها الوحيد ليرى ويسمع و يلمس بنفسه كيف تترجم نداءاته نحو وطن نظيف ومسؤول شريف ومواطن عفيف.
ملك لم يفقد صبره ولا لحظة واحدة، ملك  يغذي همته  كلما اشتدت المصاعب.. رجل مسؤول عن رعيته ليعلم باقي الأمة كيف تكون راعيا صالحا.. مواطن يفهم أن إدراك حجم مشكلات الوطن يعني أن تقترب منها حتى لو كانت جمرا .. فهي لن تحرق كفك بقدر ما سيحرق بعدها عنك ضميرك! من فعل في كل حكومات ووزارات وأمانات الدولة ما فعله ويفعله جلالته منذ تسلمه زمام المبادرة.. هل سمعنا عن رئيس حكومة تنكر حتى بزي رجل أعمال؟
هل شاهد أحد منكم يوما وزيرا أو وزيرة في وزارة خدماتية ما وهو يمشي بين المراجعين متخفيا على هيئة مندوب مبيعات أو متنكرة بشكل صحافية مثلا؟ هل جرب أحد المدراء العامين أن يخوض تجربة يوميات مدير عام (المسلسل السوري) ولو على سبيل الكوميديا مثلا؟ طبعا لا.. عيب.. هل يصح ذلك.. قطع الله لسان من يجرؤ على أحد مسؤولينا ويطالبه بالخوض في غمار المواطنة المتعبة!
ثم تقولون من هم أهل الهمة؟ ها هم أهل الهمة.. رجالا ونساء وشبابا وصبايا نسمع حكاياتهم ونقرأ تجاربهم التي تشعرنا بالفخر والاعتزاز أن في هذه البلد أشخاصا يلعبون أدوارا ليست أدوارهم التي فرضها عليهم الزمن والقدر والحظ ومعدل التوجيهي.. يفعلون أمورا لا ينتظرون من ورائها حسابا.
أهل الهمة الحقيقيون هم أناس ليسوا مسؤولين عن أي دائرة في هذا الوطن. لكن الاستثناء الوحيد.. هو الرجل الذي يعنى بكل هؤلاء ويعلمهم ويعلم غيرهم كيف أن كلمة همة  ليس لها علاقة بالهم.
ولأنه الاستثناء الوحيد والجميل والكبير والمعلم.. فإنني أدعو أن تذهب جائزة أهل الهمة الأولى إلى صاحب الهمة الخلاقة عبدالله الثاني ابن الحسين.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة   جريدة الغد  حنان كامل الشيخ