يقول الخطاب الحكومي إنه يريد من الإعلام أن يكون فاعلاً ومهنياً ومؤثراً. ويحمّل الرسميون الإعلام مسؤولية فشله في بناء الصدقية وتحقيق الانتشار.
لكن الغائب عن القول الرسمي المنتقِد دوماً للإعلام هو الاعتراف بأن الإعلام لن يكون فاعلاً ولن يكون مؤثراً ولن يكون مهنيا إلا إذا كانت المؤسسات الرسمية فاعلة ومؤثرة ومهنية.
ذلك أن الحكومات هي التي تملك صلاحية التشريع وهي التي تملك المعلومات وهي التي تقع عليها مسؤولية الإفصاح عن هذه المعلومات.
لا يكون الإعلام فاعلاً ومهنياً إلا في بيئة ديمقراطية ناضجة، تضمن تشريعات ديمقراطية وتوفر آليات المساءلة وتكرس مفهوم أن الموظف العام هو "خادم عام".
وتلك شروط لم تتوفر في الأردن بعد. فالتشريعات التي تحكم الإعلام مُقيدة، و"الخادمون العامون" لا يعترفون بأن المعلومة حق للمواطن، وكثيرة هي المؤسسات الرسمية التي تتعامل مع الإعلام بطرق ملتوية، تمارس الوصاية حيناً، والضغط طوراً، و"شراء" الأقلام أحياناً.
لن يتطور الإعلام إلى المستوى الذي يمكنه القيام بالدور الإيجابي المطلوب في المجتمع إلا إذا تكرست الثقافة الديمقراطية في السلطة التنفيذية التي تملك أكثر مما يجب من القوة، وتتحكم جراء ذلك في أداء الإعلام ووتيرة عملية الدمقرطة.
ولن يبني الإعلام صدقيته إذا لم يستطع توفير المعلومات الدقيقة للقارئ والمشاهد. وهذا شرطه أن يُكَرّس حق الوصول إلى المعلومات تشريعاً، فلا يكون الإعلاميون أسرى قرار "خادم عام" يرى نفسه "مسؤولاً" ويقرر ما ينشر وما لا ينشر على أسس غير موضوعية محكومة برؤيته وذهنيته ورغبته.
تلك هي تجربة الدول التي نضج فيها إعلام حر، مستقل وفاعل. وها هي المؤسسات الإعلامية في هذه الدول تتذمر من انحسار قدرتها على الحفاظ على استقلاليتها ومهنيتها لأن الحكومات أخذت تفرض عليها القيود في إطار "الحرب على الإرهاب".
فقبل أيام، شارك مئات الإعلاميين العرب والأجانب في منتدى الجزيرة الثاني. أهم ما أظهرته المداولات في المنتدى أن لا إعلام فاعلاً من دون حرية واستقلالية. ولأن الحكومات، خصوصاً في الدول غير الديمقراطية، تملك القدرة على توسيع مساحة الحرية أو تضييقها، يرتبط أداء الإعلام بقرارات الحكومات.
لا نقاش في أن غياب التقاليد المهنية الراسخة والالتزام بالأخلاق الصحافية أسهم في اضعاف أداء الإعلام. ولا نقاش في أن تطور الأدوات المهنية شرط أساس لتحسن أداء المؤسسات الإعلامية. لكن تحسن الأداء الحكومي متطلب محوري لتطور الإعلام.
حان الوقت لأن يُستبدل التساؤل عن مهنية الإعلام وفاعليته بسؤال مشروع عن فاعلية الحكومات ومهنيتها وشفافية أدائها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد