ماذا تفعل منظمات حقوق الأطفال وجمعيات محاربة العنف في الأردن لو سمحتم؟؟ لقد صادف أمس اليوم الوطني لحماية الطفل من الإساءة، وبعيدا عن الندوات وحلقات النقاش والإعلانات السطحية، وجلسات الشاي الحزينة على أطفال أردنيين دمرتهم آلية الجبن المجتمعي، لم نلمس تقدما محسوسا على هذه الجبهة الخطيرة، برغم العناوين والشعارات الكبيرة التي تلعلع بأنظمتها الداخلية وأوراق عملها، عبر ميكرفونات المؤتمرات الخارجية.
 
القانون يا سادة لم يتحرك قيد أنملة، والوعي كذلك.. العنف ضد أطفالنا في الداخل والخارج هو ذاته بل وأكثر.. وصورة الطفل مهشم الرأس أو المغتصب أو المهزوز أو مكسور الخاطر، لم يُنزع عنها لون واحد من ألوانها الغامقة.. وكل هذا يحصل تحت عيون وآذان مؤسسات المجتمع المدني التي تنادي بالتنمية الاجتماعية والقانونية "عمال على بطال"، وهي تدرك أن أي تصريح طليعي مضاف، يساوي بالضرورة "تنمية" مضافة للموارد المالية من قبل "منظمات دولية" و"جمعيات أهلية أجنبية"، معنية بمقاومة العنف والإساءة ضد أطفالنا!
 
نحن وفي هذا اليوم نجدد مذكراتنا المحشوة بصور الإساءة لأطفالنا، وخلال عام واحد فقط؛ أب يقتل ابنته وجنينها بعد اغتصاب لطفولتها دام خمسة أعوام .. إجراء عملية ناجحة لطالب اقتلعت عينه على يد معلمه.. دهس ودفن صبي يعمل في ورشة حدادة.. العثور على جثة طفلة مغتصبة ومقتولة خنقا.. وغيرها وغيرها مما يندى له الجبين.
 
السؤال الآن، بماذا ساهمت منظمات حقوق الأطفال الأهلية (فعليا) في الحرب على الإساءة ضد الطفولة؟ ما هي الاستراتيجيات الخاصة بها والتي تدعي أنها حركت ساكنا؟ ما هي نسبة استجابة المجتمع لـ"دعايات" أشبعتنا إياها قبيل مواعيد الاحتفالات العالمية لحقوق الطفل، والتي تسحب من أثير الإذاعات وصفحات الجرائد وشاشة التلفاز، بعد يوم واحد من انتهاء المناسبة؟ أهناك قوانين تغيرت؟ مشاريع قوانين؟ أفكار لمشاريع قوانين؟ لا شيء.. هذه هي الحقيقة التي ستغضب الكثيرين!
 
مجتمعنا أيتها السيدات وأيها السادة ما يزال ممعنا في إساءته للطفولة (وهي أهم من الأطفال برأيي)، والتمويل الذي يأبى أن يفكر قليلا ما يزال ممعنا في تصديق الرواية المحلية أن الدنيا صارت بخير وأن الطفل الأردني في عامه الـ2010 قد امتلك مكتسبات قانونية واجتماعية، التي ما كانت لتمر لولا فلوس تلك المؤسسات!
 
وهنا لا أتهم المصادر الخارجية بالجهل، بقدر ما أتهمها بالتآمر على الجهل، فالأموال التي تدفع "بالهبل" لأجل مؤتمرات البحر الميت والإعلانات السطحية السخيفة، كان بإمكانها أن تصب مباشرة في مشاريع تحارب الفقر والأمية والكبت، والتي تشكل الأسباب الرئيسية للجنوح إلى العنف بشكل عام.
 
أما بالنسبة للمسيرات السلمية وعروض أزياء الصغار وحملات التبرع بالكتب المستعملة وإقامة فطور رمضاني على شرف المعنفين، وتجمعات حدائق أمانة عمان وكل الزينة والأغاني والـ"كب كيك" وزجاجات المياه المعدنية، فأنا لست ضدها تماما، لكنني كنت أفضل حملة انتخابية لمرشحين تقدميين، معنيين فقط بقوانين الأسرة والطفل، كنت أتمنى أدبيات "زنانة" تخاطب مباشرة أصحاب القرار من أجل ملاحقة مرتكبي العنف، قضائيا وإعلاميا، كنت أحلم بمشاركة رسمية في جلسات المحاكم التي تعقد لمجرمي الاغتصاب والقتل العمد.
 
الفن والاعتصام والدعاية والاجتماع، كلها وسائل تنفع، إذا كانت مدروسة ومحترمة وخلاقة، لكن أن تقولوا لي إن تمويلا خارجيا دخل في حساب إحدى المنظمات الحقوقية المهمة، بهدف إعلان يصور أبا يشتري لابنه حمامة بيضاء، أو معلمة تمسح بيدها على رأس طفلة مشوهة، كإشارة للوعي واحترام الطفولة.. فأرجوكم اسمحوا لي أن أستأذن!

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة   جريدة الغد  حنان كامل الشيخ