هذا المرض الخطير الذي ظهر على مستوى العالم لأول مرة عام 1881، واكتشفت أول حالة إصابة في اليمن عام 1989، قد أصبح أحد العوامل المؤثرة على المتغيرات السكانية لا من حيث الجانب الصحي المتمثل في ارتفاع معدلات والوفيات وانخفاض في توقع مدة الحياة عند الولادة فحسب، بل أيضا تمتد آثار انتشاره السلبية على بعض جوانب الخصائص السكانية الاقتصادية والاجتماعية كفقدان المجتمع الذي ينتشر فيه المرض لجزء هام من قواه العاملة وارتفاع معدلات الإعالة والتيتم وغيرها.
يرتبط انتشار هذا المرض القاتل ارتباطاً وثيقاً بالمؤشرات السكانية، فقد بينت الدراسات أن الدول التي ينتشر فيها هذا المرض تتدنى فيها المؤشرات السكانية والاقتصادية والاجتماعية، لقد مثل الحديث عن معدل الخصوبة المرتفع في الثمانينات وبداية التسعينات وحتى الآن الموضوع الأهم في مجال السكان لدى العديد من الدول النامية بالذات، لكن ارتفاع الإصابة بمرض الإيدز وسرعة انتشاره منذ بداية ظهوره عام 1981، أصبح يحتل مساحة هامة من عمل المعنيين بقضايا السكان واهتماماتهم، وطرح سؤال حول السلوك الجنسي للإنسان الذي كان الحديث حوله شبه محظور لدى العديد من المجتمعات، وخاصة أن الأرقام الدولية تبين أن حوالي 90 في المائة من إجمالي الإصابات بهذا المرض هي ناتجة عن طريق ممارسة الجنس المحفوفة بالمخاطر، وارتباط انتشاره أيضا بالأمراض الأخرى المنقولة جنسيا, ونظرا لمرور فترة زمنية طويلة نسبيا تفصل بين الإصابة بالعدوى وبين ظهور أعراض المرض فان الشخص المصاب يمكن أن يقوم بنقل العدوى إلى اكثر من شخص قبل أن يعلم انه "أو أنها" يحمل فيروس هذا المرض، وفي عام 2003، قدر عدد المصابين في العالم بحالي 48 مليونا، أكثر من نصفهم في أفريقيا جنوب الصحراء، منهم 10 ملايين شباب في عمر 15-24 سنة، و3 ملايين طفل أقل من 15 سنة، وقد نتج عن هذا المرض حوالي 14 مليون طفل يتيم، منهم 11 مليون طفل يتيم في أفريقيا جنوب الصحراء، حيث ترتفع نسبة انتشار الإصابة بهذا الفيروس إلى أكثر من ثلث السكان في بعض دول جنوب أفريقيا.
عواقب انتشار المرض: إن عواقب انتشار هذا المرض على المؤشرات السكانية بالغة الخطورة في البلدان التي ينتشر فيها، فقد أدى انتشار الإصابة بفيروس نقص المناعة المكتسبة إلى ارتفاع الوفيات بشكل مخيف وانخفض توقع متوسط الحياة عند الميلاد في 11 دولة أفريقية جنوب الصحراء، من 62 سنة إلى 47 سنة خلال السنوات العشر الماضية. ففي بوستوانا كان معدل توقع متوسط الحياة عند الميلاد حوالي 74 سنة قبل انتشار الإيدز ومع انتشاره انخفض هذا الرقم إلى حوالي 45 سنة، ويتوقع إذا لم تتخذ إجراءات حاسمة في مواجهة هذا المرض أن ينخفض متوسط الحياة عند الميلاد إلى 26 سنة في هذا البلد عام 2010، وهو ما ينسف محصلة جهود التنمية لعدة عقود سابقة سعت إلى تحسين الأوضاع الصحية وزيادة متوسط توقع الحياة عند الميلاد. كما تبين الدراسات أن أغلب الإصابات بهذا المرض تنتشر بين أوساط البالغين خاصة منهم في أعمار العشرينات والثلاثينات والأربعينات وهي أعمار سن الإنتاج والعمل، مما يفقد البلاد قوى منتجة هامة في القطاعات الاقتصادية والخدمية المختلفة، ويصبح لدى البلدان التي ينتشر فيها عجز في القوى العاملة، مما يؤثر سلبا على عملية التنمية بشكل عام، ويكلف البلاد مبالغ كبيرة للعناية بالمرضى خاصة مع ارتفاع تكلفة العلاج والعقاقير اللازمة التي يمكن أن تؤخر وفاة المصاب. كما أن الأسر تفقد العائل لها مما يسبب ارتفاع الفقر وزيادة نسبة التيتم وما يصاحب ذلك من تشرد وضياع للأطفال، وانخفاض في نسبة التحاقهم بالمدارس. ويرتبط انتشار الإصابة بفيروس هذا المرض بالعمر والجنس، إذ تبين الدراسات أن الإصابة بفيروس هذا المرض تنتشر بين الإناث أكثر من الذكور لعدة أسباب منها انخفاض مستوى المعرفة لدى النساء وبالذات صغار السن منهن حول هذا المرض وطرق انتقال الإصابة، كذلك استغلالهن من قبل الذكور الأكبر منهن سنا غالبا وضعف قدرتهن على أخذ احتياطات الوقاية من نقل فيروس هذا المرض، فحوالي ثلثي الإصابات الحديثة في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء لدى الفئة العامرية 15-19 سنة من النساء، كما أن الفقر الذي تعيشه بعض الشرائح السكانية هو الآخر أحد العوامل التي تساعد على انتشار الإصابة بهذا المرض. من خلال ما ذكرناه سابقا يتضح مدى ارتباط انتشار الإصابة بهذا المرض وآثارها السلبية على بعض المؤشرات والأوضاع السكانية، ويتبين أن انتشار هذا الوباء يقف في مواجهة تحقيق أهداف السياسة السكانية الساعية إلى تحسين الأوضاع الصحية والاجتماعية والاقتصادية للسكان، بل يقف في مواجهة تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام.
اليمن والمرض:
رغم أن اليمن يعتبر من البلدان ذات الانتشار المنخفض بحسب البيانات والمؤشرات المتوفرة حول مستوى انتشار الإصابة بهذا المرض، إلا أن حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز" قد زادت من حالة واحدة في عام1990 إلى60 حالة في 1996 ليصل العدد التراكمي للحالات في عام 2001 إلى 870 حالة. يبلغ إجمالي عدد الحالات المصابة المبلغ بها رسميا حتى نهاية عام 2004، حوالي 1549حالة، ليتجاوز العدد الآن الألفين مصاب، وما زال في تزايد مستمر. وتشير العديد من الدراسات إلى أن على اليمن أخذ أقصى الإجراءات في مواجهة انتشار هذا الوباء لوجود العديد من العوامل الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي قد تساعد على انتشاره والذي يعد من أهمها قرب اليمن من أكبر منطقة موبوءة بهذا المرض في العالم المتمثلة في بلدان أفريقيا، في ظل وجود تحرك سكاني بين اليمن وتلك البلدان وبالذات نزوح العديد من الأفارقة إلى اليمن وخاصة من الصومال وأثيوبيا وغيرها، وكذلك كثافة حركة السكان من والى اليمن، حيث توجد أعداد كبيرة من اليمنيين في مختلف البلدان بغرض العمل والدراسة وغيرها، مع ضعف وصعوبة الرقابة الصحية على الحدود، وانتشار الفقر والأمية بين فئة واسعة من السكان مع انخفاض الوعي حول طرق الإصابة والوقاية من هذا المرض. حيث تبين نتائج المسح اليمني لصحة الأسرة عام 2003، أن نسبة من يعرفن عن الإيدز حوالي 44 في المائة من إجمالي النساء المتزوجات في الأعمار 15-49 سنة، وفي الوقت التي تصل معرفة طرق العدوى عن طريق الاتصال الجنسي إلى 85 في المائة من إجمالي من يعرفن هذا المرض ترتفع هذه النسبة إلى 91 في المائة في الحضر و80 في المائة في الريف، بالمقابل نجد تدنٍ في معرفة الطرق الأخرى للعدوى كنقل الدم، الحقن، استخدام الآلات الحادة وغيرها، مع وجود بعض الفوارق بين من يسكن الحضر والريف وبين الأميات ومن حصلن على قسط من التعليم.
المراجع
المجلس الوطني للسكان
التصانيف
الجغرافيا