هذا السؤال ليس للاستطلاع الذي ينحصر في أسئلة تقليدية، وإجابات ضيقة ستؤدي كما هي العادة لنتائج بعيدة عن أرض الحياة، وصالحة فقط للطباعة والنشر!
إنه الخوف الذي تعرفت عليه مؤخرا حين وجدت نفسي وجها لوجه أمام الصغار الذين كبروا بسرعة، ولم يعودوا أطفالا نمارس عليهم عقدنا الأبوية المتوارثة، باختيار كل شيء يخصهم بدءا من ملابسهم التي نضعها على أسرتهم وهم في الحمام، وانتهاء بهدايا أصحابهم الخاصة في أعياد ميلادهم.
لماذا البنات تحديدا؟ أولا لأنه من المعروف أن الطفلة تكبر أسرع من قرينها الطفل الذكر، فتنضج ملامحها وتملأ حيز مقعد الصف طولا وعرضا و"فكرا"، وسط استغراب الأولاد للمشهد الذي عاد إليهم بعد عطلة الصيف، والذي قدمها لهم بطلّة ونظرة وضحكة وخبث، تحرص هي على التفاخر بها كشهادة صك للانتشاء والزهو أمام عالم الصغار!
ثانيا لأن الصدفة جمعتني قبل أيام بثلاث فتيات، جالسات في مقهى بعد الافطار، ولن أقول عنهن حتى كلمة مراهقات؛ لأنهن إن كن قد "أزهرن" فعلا، فباعتقادي أن ذلك لم يحصل إلا قبل يوم واحد فقط من وصولهن للمقهى! هذا المكان الذي وقع فريسة الخديعة وصدق أنهن آنسات ربما تخطين العشرين من العمر، بمساعدة طبعا كميات مهولة من الكحل والماسكارا وأحمر الشفاه، الى جانب عبث الملابس الذي ينم عن "خبرة" لا يستهان بها في تجربة الأنثى الماكرة. وقبل أن أروي قصتهن، أود أن أؤكد إدراكي المسبق بأن تلك الصورة ليست عامة، ولكنها موجودة وتخص "لحمنا" أيضا...
البنات كن يتحلقن حول نرجيلة واحدة، باعتبار أن مصروفهن لا يتحمل ثمن أخرى، وواضح حجم الغيظ من حركة التفاف "البربيش" بينهن، وكل واحدة حريصة على مسح طرفه كلما جاءها الدور في التنفيث! أما الطلبات الأخرى فقد احتفظت بصبيانيتها، فهي لم تتعد المشروبات الغازية.
وأكثر ما كان يلفت الانتباه (ليس انتباهي وحدي فقط)، هو حركة عيونهن ما بين براءة الحرص على متابعة باب الحارة المعروض على شاشات كبيرة، وبين لا براءة متابعة وجوه الشباب أصحاب البنات الأكبر سنا!
السؤال ثانية: كيف نربي بناتنا؟ وهذه المرة مع اضافة جملة مهمة جدا:
وهن يعشن أياما شديدة التعقيد في الانفتاح المرئي والمسموع والتفاعلي، حيث لا يمكن بل من المستحيل السيطرة على مفاتيح الغلق والفتح، ضمن مدخلات العلم والتكنولوجيا المهلكة في التسارع، ومخرجات دراسات المجتمع للمرأة، التي تنصح بفتح باب الحوار وتحذر من الأبواب المغلقة!
الواضح بالنسبة لمن يقبل بالسير في هذه التجربة، أن بناته يفهمنه خطأ، وأن الحرية في الحركة واختيار الصداقات وانتقاء الملابس، والقبول بأمور كانت محرمة قبل عدة سنوات فقط، صارت تجرجر الأهل الى واد سحيق لا تعرف نهايته، وعلى سكة تنازلات عريضة ومتعرجة، درج مؤخرا على تسميتها بالـ "open mind"! لم أكن لأطرح هذا الموضوع لو أن الصورة اقتصرت على المشهد السابق، لكن ما آلمني هو نهاية رحلة الصبايا الصغيرات والتي تكللت برفقة شابين كبيرين، أصعدوهن في سيارتهما الى مكان ما، وسط ذهول بعض الرؤوس التي تشبه رأسي، والتي اكتفت بالهز يمينا ويسارا، تلتها حركة لا ارادية الى الهواتف الخلوية، يسأل أصحابها عن أولادهم وبناتهم. وأظنني سمعت أحدهم يقول لابنته:
"طيب طيب .. بس ما تتأخري" .. كان ذلك عند الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد حنان كامل الشيخ