تتحمل الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولية العملية التي شنها جيش الاحتلال الاسرائيلي على سجن أريحا أمس. فانسحاب المراقبين البريطانيين والأميركيين الأحادي من السجن خرق الاتفاقية التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع واشنطن ولندن وتل ابيب عام 2002 ووفر لاسرائيل ذريعة اقتحام السجن وخطف أمين عام الجبهة الشعبية أحمد سعدات ورفاقه.
أخطر ما في عملية أمس هو ما اظهرته من تصميم اسرائيلي لفرض حل أحادي على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والغاء كل الاتفاقات التي انتجتها عملية السلام. الرسالة التي ارسلتها اسرائيل بهمجيتها المعتادة هي أنها لا تريد شريكا فلسطينيا وأن مسيرة مدريد ماتت.
الخطير أيضا هو أن تصرف الولايات المتحدة وبريطانيا أمس يمثل ردة عن مرجعيات مسيرة السلام التي رعتها أميركا واوروبا. ولا تخفف اعلانات واشنطن ولندن أنهما كانتا اعلمتا الفلسطينيين بنيتهما سحب المراقبين من أريحا من خطورة مغزى خطوتهما أمس لناحية التخلي عن اتفاقات كانت وقعت في اطار عملية السلام.
تقويض أسس عملية السلام والتنكر لما انتجته من اتفاقات يعني أن الأبواب شرّعت الآن أمام وضع جديد ستحاول اسرائيل تفصيله على قياس استراتيجياتها التي يبدو أنها لم تبتعد قيد أنملة عن الجوع الصهيوني لاحتلال كامل الأرض الفلسطينية على حساب الفلسطينيين وحقوقهم.
فها هو إيهود أولمرت يكمل ما بدأه ارئيل شارون في فرض حل أحادي يرتكز إلى تكريس حقائق على الأرض ضمن مخطط واضح يهدف إلى محاصرة الفلسطينيين في كانتونات معزولة غير مترابطة وغير قابلة للحياة. ومن خلال العنف العسكري والضغط الاقتصادي والحصار الجغرافي، تهدف اسرائيل الى دفع الفلسطينيين خارج أرضهم ليموت بذلك خيار الدولة الفلسطينية.
اسرائيل تخطط اليوم لما تريد أن يكون بعد عشرين عاماً تماماً كما خططت قبل عقود لفرض الراهن. تلك حقيقة آن للفلسطينيين والعرب أن يدركوها حتى يحاولوا، رغم القوة الاسرائيلية السياسية والاقتصادية والعسكرية، أن يحولوا دون دولة الاحتلال واطماعها.
غير أن نجاح الجهد العربي المضاد للمخططات الاسرائيلية يتطلب تخطيطاً يتجاوز ردات الفعل الآنية ويفهم الأطماع الاسرائيلية ويبني على نقاط القوة ويمنع اسرائيل من تحديد ساحة المواجهة.
الخيارات محدودة. اسرائيل لا تريد مفاوضات. وميزان القوى العسكري والسياسي يوفر لها القدرة على التوغل في استباحة حقوق الفلسطينيين.
واقع صعب حد المهانة. لكن لا بديل عن جهد مكثف لمحاولة التصدي لاسرائيل ومخططاتها. وميزان القوى ذاته يفرض على السلطة الوطنية الفلسطينية، وعلى حماس، أن تبحث عن نقاط قوتها. وهذا يعني التوجه الى العالم في جهود سياسية مكثفة، فالمواجهة العسكرية محسومة لصالح اسرائيل. وفرص النجاح أفضل في تحرك سياسي يحرج حتى اصدقاء اسرائيل بطرحه السلمي الواضح في طلب الحق الفلسطيني كما عرّفته قرارات الشرعية الدولية.
ليس من السهل على الفلسطينيين أن يقفوا مكتوفي الأيدي في مواجهة الاستفزازت والاعتداءات الاسرائيلية. لكن المصلحة الفلسطينية تفرض أن يكون رد الفعل الرسمي سياسياً وأن يكون العمل المقاوم جزءاً من هذا الرد ضمن معادلة دقيقة تقيس الفعل وأثره، الايجابي والسلبي.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد