والمسألة لا علاقة لها فقط بالأسئلة المتعلقة بالحمل والولادة والرضاعة، ولكن الموضوع الذي بدأ يتسلل من بين أصابع ذاكرتنا المعرفية البائتة، وتوقعاتنا جبانة المنشأ، واطمئناننا لطول عمر البراءة لأكثر من عشرة أعوام، صار خطيرا جدا، لدرجة لا يمكن تخيل آثاره وندوبه على مخيلات أولادنا، التي ساهم وعي مبكر جدا ومنفتح جدا ومتمكن جدا، في صياغتها رغم أنوفنا جميعا. ولن يحاجج في تلك الحقيقة إلا ثلة ممن يخافون على مخططاتهم التربوية أن تمر من تحت سيطرة مفاهيمهم، ويتمسكون جيدا بآلة الزمن لكي تعيدهم، عند أول محك مع "برامج الواقع"، إلى ورائهم البعيد!

نعم أيها السادة فعمر براءة الطفولة في الألفية الثالثة، المدججة بالمعلومات السمعية والبصرية المفتوحة على الغارب، لم يعد يتجاوز الثلاثة أعوام. وأنا مسؤولة تماما عن هذا التصريح!

وهذا ليس ذنبا يجب أن نعاقبهم عليه، بقدر ما هو واقع علينا أن نتعامل وإياه بمسؤولية واعية، وخطط ممنهجة، تجنبنا وتجنبهم عثرات الفهم الخاطئ للأمور. وحتى لا أتهم بأنني من دعاة إدراج التربية الجنسية في مناهج التعليم، فإنني أنأى بنفسي عن هذه التهمة لسبب لا علاقة له بحوارات التربية والدين والعادات. لأنه يكفيني أن مدارسنا التي "يا دوب" تحقق معادلة إيصال المناهج الدراسية للأولاد، ليست مهيأة أبدا لمثل هذه الطروحات الطليعية، لا من حيث توفر الكادر التربوي المتخصص، ولا المنهج العلمي والنفساني المناسب لثقافتنا الإسلامية وتقاليدنا العربية.

إذن ما نفعل حين يقطع حلقة المسلسل المدبلج، إعلان عن الفوط النسائية؟ ولا تقولوا لي ماذا يفعل طفل في الرابعة، أمام شاشة تعرض المسلسل المدبلج الذي يمرر صور القبلات والأحضان واللباس المثير. لأنني حينها سأعتبر هذا السؤال، استغباء لواقع حياتنا الجديدة التي لا تحتمل التنظير في حسابات السلوك اليومي. يكفي أن تتذكروا أن موعد عرض هذه المسلسلات، يكون عادة قبل موعد نوم الصغار بساعات! ورجاء لا تزيدوا علي بلومكم المكرور، بأنه لا داعي أساسا أن نشاهد نحن الكبار هذه الأعمال السخيفة. لأن أسئلة الصغار المحرجة، لن يوقفها تثبيت الرموت كنترول على أخبار الجزيرة!

إنهم يسألون عن كيفية حدوث الحمل، بين الأب والأم، في حين كنا نعتقد في عصورنا السالفة، بأن الأمر لا علاقة له بالآباء! إنهم يسألون عن أجسادهم بشكل مباشر، ويقارنونها بأجساد ذويهم، متحاملين على حظوظهم التي حرمتهم من بعض الفروقات!

إنهم لا ينفكون عن السؤال، حول سبب الخوف الرهيب الذي راكمته أخبار الاختطاف والاغتصاب، في وجدان أهاليهم، ويتعجبون من علاقتهم بتلك الأخبار!

 

ماذا برأيكم علينا أن نفعل معهم. ونحن ورغما عنا إجابتهم الوحيدة للعلم بالشيء؟ هل نسكت؟ هل نقول المعلومة كاملة؟ هل نتغاضى؟ هل نتحايل على الحقيقة؟ هل ننهرهم مثلا؟ كل إجابة جائزة بل ويمكن أن تكون مبررة، إلا أن ندفن رؤوسنا بالرمال وندعي أن ذلك لا يحدث في بيوتنا. وأمر أخير ... لا تركنوا أبدا لمسلمات الحوار بين الأهل والأطفال. فهم لا يصدقوننا حين نكذب!

 

بقلم: حنان كامل الشيخ.


المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة   جريدة الغد  حنان كامل الشيخ   الآداب