"أو بالأحرى من بنات غزة. هكذا وجدت نفسي على هذه الدنيا، بنت وسطى بين خمسة أشقاء ذكور، لأم أردنية الأصل والجنسية، وأب من قرية المسمية، لجأ أهلها إلى مخيمات في مدينة غزة العام 48، ثم هرب بعضهم الى بلاد الله الواسعة، ليتعلموا ويشتغلوا.
باختصار ... أكاد أن أختنق!
منذ أن بدأت بكتابة رسالتي إليك، عاهدت نفسي أن لا أثقل عليك بهمومي، ولكنني مدفوعة بالألم الذي يقف خلف حجرتي، ويتسلل إلي من تحت فتحة الباب. وأستميحك عذرا سيدتي، فأنا حين ذكرت كلمة "حجرتي"، لم أقصد غرفة نوم خاصة بالفتيات، مدهونة باللون الوردي وستائرها ترفرف فوق نافذة مفتوحة على الهواء. بل كنت أعني جدارا اسمنتيا يقطع نصف مطبخ البيت، وبابا من خشب "الصحاحير"، يغلق في وجه الصالة التي ينام فيها أخوتي الذكور. هههههه... لو تعرفين كم واحدا من أخوتي يتمنون أن أتزوج بسرعة، ليحظى بخصوصية هذه الحجرة! توفي والدي قبل أن أكمل عامي العاشر.ووجدنا أنفسنا فجأة بلا معيل ولا تقاعد، ولا ضمان اجتماعي ولا شيء.. تخيلي أن تستفيقي على دنياك مجردة من حواسك الخمس، وكأنك قطعة من الفراغ، لا تساوين شيئا ولا تعنين شيئا!
لا أعرف كيف ومتى انتقلنا من شقتنا، في جبل عمان، إلى هذا الجحر الواسع؟. و لا تسأليني عن أهلي لوالدتي، فقد تفرق الأخوال، بعد وفاة جدي الحنون الطيب. وتمكنت نساؤهم من انتزاع حق والدتي، بسبب زواجها من خارج العائلة، على الرغم أن اثنتين منهما من دولة عربية شقيقة!
لست غاضبة، لأن القدر كتب علينا هذا الشقاء. ولا لأن أخي الكبير ضحى بمدرسته ليعمل في ورشة حدادة في وادي الرمم. ولا لأنني وأخي الآخر لم نتمكن من الدخول إلى الجامعة بالتنافس. ولا لأننا حتى اليوم لم نوفق بالبقاء في أعمالنا المتفرقة، أكثر من ثلاثة شهور، بسبب قوانين العمل. ولا لأن شقيقي الأصغر قبل في جامعة اليرموك، في النظام الموازي، رغم أنه حاصل على 89 % أدبي. لست غاضبة لأن أمي تشعر بالخجل لأنها لم تستطع منحي جنسيتها، واحساسها المريع بعقدة الذنب، لأننا وفوق حرماننا من جنسية والدتنا، نحن محرومون من القوانين العادلة، والتي تسمح لنا، بالدراسة والعمل "لن أقول التملك يا ستي!" كبقية الناس الطبيعيين.
لست غاضبة من كل ما سبق. ولكنني سأختنق كما أخبرتك في البداية، لأن ابن خالي "المحترم"، وهو من أم غير أردنية، رفض اقتراح والده بخطبة ابنة عمته المستورة غير المتطلبة، والسبب أنه يخشى أن يكون زواج مصلحة، الهدف منه حصولي على الجنسية!"
....................
ملاحظة: هذه الرسالة وصلتني من إحدى القارئات، وجدت أنه من المناسب عرضها عليكم، بعد أن بلغ إلى سمعي أن اجتماعا مع رئيس مجلس النواب عقد أمس، ناقش وبحضور جمعيات واتحادات نسائية أردنية وعربية، قانون الجنسية.
ملاحظة أخرى: لا أستطيع أن أكذب على قرائي الأعزاء! لم تصلني رسالة من أحد... لكنني سمحت لنفسي أن أتخيل!
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة جريدة الغد حنان كامل الشيخ الآداب