زوّد اكتشاف الغرب لأهمية الديمقراطية في الشرق الأوسط، اضافة الى الانفتاح الاعلامي الذي فرضته ثورة تكنولوجيا المعلومات، دعاة الديمقراطية بأدوات هجوم ودفاع جديدة في مواجهة القوى الشمولية والممارسات غير الديمقراطية.
لكن هذه المتغيرات خلقت أيضا طبقة من مدّعي الديمقراطية والانفتاح الذين افادوا من قدراتهم على التواصل مع الغرب وفهم لغته في خدمة اهدافهم واجنداتهم الخاصة. وهذه طبقة انتشرت على امتداد المنطقة.
وعانى الأردن مثل غيره من ضررها وابتزازها. لكن ما زاد من ضرر هذه الفئة على الأردن هو القدرات الاستثنائية لأتباعها في تحدث لغة الغرب واستغلال سطحية الفهم الغربي، وخصوصا الأميركي، لتعقيدات المشهد الداخلي. استطاعت حفنة من هؤلاء بناء قنوات اتصال فاعلة مع قوى غربية مؤثرة.
وإذ فهمت هذه الحفنة محدودية الشغف الغربي الجديد بالدمقرطة الشرق أوسطية لناحية حصره في مجموعة فرضيات ومعايير، طورت خطاباً حاكى الاهتمامات الغربية فاشترى لها حضوراً وصدقية.
لكن هذا الخطاب تذبذب في انعكاس لمدى تلبية الدولة لطموحات هؤلاء واطماعهم. فإن حققوا المكتسبات، مواقع ومعاملة تفضيلية، تحدثوا عن مسيرة أردنية نحو الديمقراطية واصلاحات بررت انخراطهم فيها من أجل تسريع وتيرة الاصلاح.
بيد أن هذا الخطاب سرعان ما ينقلب إن تضررت مصالح محترفي استغلال القول الإصلاحي.
فما إن يخرجوا من العمل العام أو يغلق باب الدعم المادي أو المعنوي لهم حتى يغيروا قولهم. فعند ذاك تصبح الديمقراطية شعارات، وتتحول اعلانات الاصلاح محاولة لتضليل الغرب، وتبيت الارتباطات التي بنوها مع الغرب، سفارات ومؤسسات وصناع قرار، اداة للاستقواء على الدولة.
ما لم يدركه هؤلاء هو أن الخداع لا يمكن أن يستمر طويلاً، وللأسباب ذاتها التي سمحت بظهوره.
فاستمرارية الشغف الغربي بالديمقراطية طوّرت فهم مؤسسات وشخصيات غربية بالمنطقة وحسنت من حصانتها ضد الخديعة.
والانفتاح الاعلامي وفّر ادوات كشف ادعاءات الذين يرون في ضغوط تحقيق الديمقراطية بابا للفساد والمنفعة، وسهّل عملية التمييز بين الغث والسمين.
دليل ذلك أن شخصيات عامة عملت من أجل الديمقراطية وقدمت فكراً استراتيجياً لتجذيرها تشريعات وثقافة مجتمعية ما تزال تحظى بالاحترام محلياً وخارجياً حتى بعد خروجها من الموقع العام.
وفي مقابل ذلك، تكشفت الأقنعة عمن تبنوا الديمقراطية قولاً واستباحوها فعلاً، فبانت طبائعهم الاقصائية الاستغلالية الفوقية التي تسلحت بالقول الديمقراطي سبيلاً لتجاوز الديمقراطية وتحقيق المنفعة الشخصية.
وفقد هؤلاء صدقيتهم إذ استمروا في تبني قول تناقضه فعائلهم.
أما كيفية مواجهة الدولة لهذه الطبقة فهي التزام الاصلاح والتحديث، وترجمة الطرح الديمقراطي اجراءات ملموسة على الأرض.
فالإنجاز الديمقراطي يفقد ادعاءات تجار الديمقراطية ثقلها ويقلص، حتمياً، إمكانية ابتزازهم للدولة من خلال الاستقواء بالغرب.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ايمن الصفدي   جريدة الغد