وقع إعلان الحكومة إدخال عناصر من حماس أسلحة "غاية الخطورة" الى الأردن ورصد اهداف حيوية في المملكة وقع الزلزال على الرأي العام في الأردن وفلسطين.
فئات تلقت الخبر بغضب, أخرى بالتشكيك في صحته, وجهات بالحيرة, لا تعرف ماذا تقرأ في هذا التطور الخطير في العلاقة بين الأردن وحكومة حماس في فلسطين. قيادة حماس في الداخل الفلسطيني نفت إدخال السلاح إلى الأردن.
وبيان الحكومة الرسمي أشار إلى "عناصر في حماس". وهذا يفتح الباب على تفسيرات متعددة قد يكون من بينها عدم معرفة الحكومة الفلسطينية بما جرى وارتباط هذه العناصر بجهات في البلد الذي دخل منه السلاح أو غيره من الدول المأزومة في المنطقة وليس بقيادة الحكومة الفلسطينية.
ولعل في تصريح رئيس الوزراء د. معروف البخيت خلال لقائه نواب جبهة العمل الاسلامي أمس أن الحكومة "ترفض هذا الأسلوب في التعامل مع الأردن حتى لو كان إدخال هذه الأسلحة للأردن بغير علم بعض اعضاء الحكومة الفلسطينية", مؤشرا على هذا الاحتمال.
لكن بالنهاية, القضية أمنية. ولا بد من أن يحسم الجدل حول ما أعلن على أساس الأدلة التي سيزنها القضاء ويحكم عليها الرأي العام حين تذهب الى المحكمة.
وذلك مآل لن يطول انتظاره لأن من اتهمته الحكومة بخرق سيادة البلد وقانونه لا بد أن يواجه العدالة التي ستلتزم القانون في النظر بقضيته.
لكن الأهم من ذلك كله أن هنالك أزمة كبيرة تفصل الآن بين الحكومة ونظيرتها الفلسطينية. وهذه أزمة لا يجوز أن تستمر لأن ضحيتها ستكون مصلحة البلدين والشعبين في ظرف حرج.
لذلك فلا بد من جهد مكثف لاعادة ترتيب العلاقة الرسمية الأردنية الفلسطينية وفق معايير واضحة, وفي مقدمتها عدم التدخل في شؤون الآخر واحترام السيادة السياسية والأمنية.
أعلنت الحكومة أن السلطة الفلسطينية هي عنوان اتصالاتها مع فلسطين. وأوضحت أن السفارة الفلسطينية في عمان هي مدخل حماس الحكومة إلى الأردن. وذلك طرح منطقي.
ولا بد من الوصول إلى صيغة تحقق المتطلبات الأردنية المنطقية من أجل الحفاظ على تكاملية العلاقة الأردنية الفلسطينية الضرورية في النضال من أجل تلبية الحقوق الفلسطينية المشروعة في الدولة والاستقلال.
لا تختزل علاقة الأردن بفلسطين بالعلاقات مع الحكومة.
وتلك حقيقة أقوى من كل الاختلافات ولا تلغيها أي حادثة مهما عظمت أو جهة مهما حاولت.
وبعيداً عن قضية السلاح, فحماس تواجه الآن معضلة الاستمرار في الارتكاز الى عقائدية في ملعب السياسة المحكوم بفن المستطاع لا بعمق الالتزام بالمبادئ.
وهذه معضلة يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني الآن الذي يعاني الحاجة وتدني مستوى المعيشة اضافة الى ويلات الاحتلال والحصار.
والحقيقة على مرارتها هي أن منهجيات عمل المقاومة لا تستطيع أن تدير شؤون دولة.
وخيارات حماس محدودة. فالحفاظ على مؤسسات الدولة وتلبية احتياجات الناس ومواجهة عدو بحجم اسرائيل يحتاج الى برنامج سياسي عملي آن لحماس أن تطوره.
لكن تبني حماس هكذا برنامج يتطلب تفاعلاً ايجابياً معها من المجتمع الدولي الذي لن يجني ما يريد من تطور في فكر حماس من خلال محاصرتها ومعاقبة الشعب الفلسطيني على نتائج الانتخابات الفلسطينية.
تحتاج الحكومة الفلسطينية إلى دعم العرب والعالم حتى تنجح.
ولا يستطيع الأردن أو غيره من الدول العربية أن يتخلى عن دعم الشعب الفلسطيني بغض النظر عن اختلافاته مع حماس.
لكن استمرار هذا الدعم, اقتصاديا وسياسياً, يتطلب من حماس أيضاً أن تأخذ بعين الاعتبار مواقف الأردن ومصر والسعودية وغيرها والمساحة التي يستطيعون أن يتحركوا فيها.
وفيما يتعلق بالأردن تحديداً, فما يربطه بفلسطين الشعب والدولة والمستقبل يفرض أن تعود المياه الى مجاريها عاجلاً أو آجلاً.
والمصلحة المشتركة تستدعي أن يكون ذلك عاجلاً. أما المعادلة المطروحة لتحقيق ذلك فليست صعبة.
ويمكن, إن توفرت الإرادة, أن يتم ذلك بوقت أسرع بكثير مما توحي به تطورات الأحداث.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد