متى سنصنع للصدق بيتا من زجاج؟ حيث لا ظلمة تهدد نهاراتنا التي تعقب الإدلاء بإفاداتنا الصحيحة، والمريحة لضمائرنا نحن، فنقول الحق ولا شيء غير الحق، غير عابئين بإزعاجات المروضين، وتهديدات نظراتهم التي تستعمر الأمكنة؟ متى تكون شهادتنا كاملة غير منقوصة، شجاعة لا مترددة، لا تعرف للخوف معنى، إلا من لحظة القسم المهيبة، فوق الكتاب المقدس؟ 

متى سنمل من قصة رغيف الخبز، ولا نقبل بالقليل خشية أن يضيع الجميع. متى سنتأكد أننا أصحاب الحق في لقمة عيش، غير مغمسة بذل التمنن، وإشعارات الإقصاء والإنذارات المبكرة بالفصل؟ متى سنثق بأنفسنا أكثر ونعرف أنه لولا نحن، وعرقنا المكبوب بين زوايا مكاتبهم التحفة، وصدورنا التي أثقل كاهلها، سعالهم المقيت وسعارهم المصبوب كما الرصاص، على حقوقنا ما كانوا هم.. هم، ولا نحن.. بهذه القلة، بهذا الضعف!؟

متى نفرج عن إرادتنا، من حكم الرتابة والموروث والعيب، واحترام "الكبار"، الذين لا يحترمون احترامنا لهم؟ ولا يقدرون أننا لا نرفع عيوننا أمامهم، لأننا نقلق على احساسهم وعلى عزيز قومهم ألا يذل، بعد طول سنين ظلمهم الذي لم يتشاطر إلا علينا. متى سنفكر لدقيقة واحدة لا أكثر، قبل أن نخاف على مشاعرهم، وصحتهم، مخاطبين العمر الطويل لفسادهم، والشيب الذي خط في رؤوس تعنتهم وصلفهم، ونقول لهم بالفم الملآن: يكفي.. عليكم أن تنتهوا الآن!

متى سيحن الفجر على الرأي، ويمسح عرقا نديا على جبين كاتب، كره الليل وطول الليل، بعد أن نجح في صنع الوقيعة بينه وبين النوم، يذكره بفشله في الحساب البسيط. فالمعادلة بين مقدراته الطبيعية، وأفكاره الطبيعية أيضا، لا تتلاءم مع خطوط التماس غير الطبيعية. متى ستطلع الشمس عليه، وقد قرر أن يبدأ نهاره بالتريض مثلا، خلف ساحة المنزل، بدل أن يمارس هواية الفجر اللئيمة، في الشطب والإضافة، على مقال يوم غد؟

متى سنكره اعتياداتنا، ونبدأ بالنظر إلى "الآخر"، على أنه من لحم ودم، ليس لحفيف ثوبه قدرة على اختراق جلودنا، ولا لبريق أسنانه خطة لالتهامنا، كما روجوا لنا؟ متى سنبدأ تعلم هجائية الاختلاف، والاستماع للصوت الثاني برغبة التعرف إلى إيقاع آخر، وليس بنية الإيقاع به لأنه آخر؟! متى سنفرج عن عقولنا، من الحجز الإلزامي داخل حجر عديمة التهوية، على ذمة قضايا التعصب والتطرف والتوحد ؟ 

متى سنرمي إلى الأبد إحساسنا بأننا المعنيون بالقلق المشروع وغير المشروع، ونتبرأ منه دنيا وآخرة ؟!!


المراجع

kermalkom.com

التصانيف

صحافة   جريدة الغد  حنان كامل الشيخ   الآداب