عادة صيفية درجنا على متابعتها منذ سنوات طويلة، بل وتعاملنا معها باحترام مضخم وغبطة مضاعفة، عادة استقبال العرسان المستعجلين جدا، والقادمين من أميركا خصيصا، لمدة لا تتجاوز شهرا واحدا، يجب أن تتسع للبحث عن ابنة الحلال وخطبتها وتجهيز أوراقها في السفارة الأميركية، والزفاف إليها، بجرعة واحدة!
كثيرة هي الأسر التي تفرح وتتمنى استقبال هؤلاء العرسان الجاهزين الواثقين من أنفسهم، المنتفخين بغرور لا أعرف أسبابه بعد، والذين بصراحة شديدة يمنون على تلك الأسر لمجرد أنهم دخلوا بيوتهم! أدرك تمام الإدراك أن الحكم غير شامل، لكنني ومن واقع التجارب المتلاحقة التي أسمع وأحتك بها، أراني مجبرة على إضاءة هذه الزاوية الخطيرة في حياة أسرنا، وبناتنا اللواتي يتجرعن الألم والعزلة والندم، بعد سفرهن إلى هناك بعدة أسابيع.
أحترم جدا شبابنا الواعي المثقف، المتصالح مع نفسه، والذي يعي جيدا الخطوة التي هو مقدم عليها ويتعامل معها بصدق وشفافية، بدون أن يعمد إلى إخفاء بعض الأخبار والأوضاع التي يعيشها هناك، حتى تنتصر أهدافه في الحصول على عروس المسقبل!
لكن للأسف العكس هو الذي يحصل مع كثير من هؤلاء الشباب، وبمباركة أهلهم أيضا، الذين لا يخشون الله ولا يعتبرون للعادات والأخلاق، ويسمحون لأنفسهم أن يخدعوا أسرا بسيطة وطيبة، تستقبل زوار أميركا بنوايا حسنة، وتسعد لأن ابنتهم "راح تشوف الدنيا" التي حرمت من الاقتراب منها لأسباب اجتماعية واقتصادية معروفة.
بناتنا يذهبن إلى هناك، وهن يحلمن بحياة سهلة وبيوت مستقلة، وشوارع نظيفة وساعات من المشي خلف عربات تحمل أطفالا أصحاء، وحرية في الحركة والعمل وحتى التعليم أحيانا، ودفء حول مواقد الخشب الجميلة، بجانب زوج "يبدو" أنه حنون وطيب المعشر.
لكن للأسف، قصص بناتنا العائدات بخيبتهن من أميركا، أو أولئك اللواتي لم يستطعن حتى اليوم أن ينقذن أنفسهن من فخ الخديعة المرير، تجعلنا نقف مطولا أمام تلك "الفرص" المزيفة، والتي تكشر عن أنياب الاغتراب المتراكم، وعيشة الذل والهوان، والسجون الانفرادية، وفرض خدمة بيت العائلة الكبير، وملاحقة طلبات الاخوة وأولاد الاخوة، والمنع من الدخول والخروج، ولا حتى بهدف تعلم اللغة كما تم الاتفاق مع أغلبهن، والتفرغ للحمل والإنجاب المجاني، مادامت هناك معونات مالية وعينية، ستتم الاستفادة منها لاحقا!
كل هذه الظروف وغيرها مما أخجل أن أدخل في تفاصيلها، التي تمس نفسية وسيكولوجية هؤلاء العرسان، يجب أن توقفنا عند حدنا في التعامل معهم، وتوقظنا من الحلم الأميركي العظيم بالحصول على الجنسية، وسحب الوالدين فيما بعد!
المطلوب هو التريث والسؤال وتكرار السؤال عن هذا القادم من آخر أصقاع الأرض، يأخد ابنتنا من أحضاننا، إلى المجهول. أعرف أن ذلك الشرط يندرج على كل الزيجات حتى المحلية منها، لكنكم لا تعرفون ألم ووجع الأهل وهم يتجرعون الندم والحسرة على ابنتهم البعيدة آلاف الأميال عن أيديهم القصيرة.
وكما قالها عادل إمام "تريثوا ولا تتسرعوا"، أطالبكم باسم سنوات الحب والتعب والأمل، التي رافقت تنشئتكم لبناتكم، أن تترددوا كثيرا قبل أن تعطوا الجواب، وأن لا تهربوا من مصير تخافون منه على بناتكم وهن بين أعينكم، إلى مصير أكثر ظلما وظلمة، حيث الخسارة ستكون أعمق.
مع تقديري طبعا للعائلات المحترمة التي لا ترتضي على بنات الناس مثل هذا المصير.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة جريدة الغد حنان كامل الشيخ الآداب