المسيـرة الطـويلـة للقـاح عريـق
لا يفرض بسهولة لقاح السلّ (BCG) الممتدح أو المهان.
تستمر بفرنسا الزامية التلقيح بلقاح (BCG) منذ 1950. إنّه تميّز بالمقارنة بالبلدان الأوربية الأخرى،
و الولايات المتحدة. هل علينا البحث عن الأسباب العلمية، والسياسيّة، و الاجتماعية، و الثقافية لهذا التميّز ؟
وما شجع اللقاح ببلادنا ابتدءا من اختراعه هو تداخل كامل متأصل, وذلك بالرغم من العديد من المجادلات !
في بداية القرن العشرين كانت فرنسا متأخرة جدّا مقارنة بجيرانها البريطانيين، و الألمان اللذين كان العلاج باستعمال علم الصحة
و التغذية المتطورة جدا يحتل بهما صدارة الصراع ضدّ السلّ, هنا مبين في الصورة أطفال بمشفى Leysin ( سويسرا).
صرّح ألبير كالميت ( Albert Calmette) في فترة ما بين الحرب قائلا بأن السلّ:"من بين جلّ الأمراض البشرية الأكثر فتكا". ويحسن بنا القول أنّ العديد من حالات إلتهاب السحايا التي حدثت دون أي إشعارات
و إشعارات بالجناب(ا)(pleurésie), بل حتى بلا إشعارات بالتهاب القصيبات قد أتت لتضخم إحصائيات السلّ، وذلك في غياب تشخيص بكتريولوجي. و تساهم هذه الأرقام التي عادة ما تقارن بأرقام سابقة لا تأخذ بعين الاعتبار سوى حالات السلّ الدقيقة, تساهم على الورق في " ازدهار" المرض في بداية القرن 20.
العنوان الأصلي للمقال: La longue marche d'un vétéran
ونشر في مجلة (La Recherche)، عدد رقم 356، سبتمبر 2002.
*طبيب ومؤرخ، أما فيليب مونيه فمختص بالبيولوجيا ومؤرخ في العلوم، وهما علي التوالي أستاذين محاضرين، وباحثين ملحقين بدائرة التاريخ وفلسفة علوم الحياة والصحة بكلية الطب بستراسبورغ.
Christian.Bonah@medecine.u-strasbg.fr
psmenut@club-internet.fr
(أ) التهاب غشاء الجنب، وهو طبقتان رقيقتان من نسيج ضام تغطيان السطح الخارجي للرئة وجدار الصدر الداخلي. يتسيب هذا المرض بألم مميّز في الصدر، يمكن أن يتمركز ويصبح أسوء بالتنفس العميق والسعال. وينشأ عادة عن داء ذات الرئة في أغشية الرئة النحتية-المترجم
يعتبر السلّ كارثة حقيقية وخطرا وطنيا بالنسبة للرأي العام الذي يواجه المرض و لا يأبه كثيرا بتفصيلات هذه الحسابات. بيد أن فرنسا مقارنة ببريطانيا العظمى، و ألمانيا لم تدخل إلا مؤخرا في هذا الردّ المؤسساتي في العلاج باستعمال علم الصحة، والتغذية (cure hygièno- diététique).يرتكز هذا الأخير علي الثالوث (triptyque) التالي: " مستوصف للكشف علي الأمراض، و مصحّة من أجل المعالجة ، والمكان من أجل الحماية ". ولم ينتشر تطور هذا النوع من العلاج – في بلادنا – المحرّك بخجل قبل الحرب العالمية الأولى إلاّ بعد تفجّر المرض خلال الحرب العالمية الأولى, لكن إفراطه الحالي بالّنظر إلى التأخر المسجّل, يشجع قبول أية اقتراح آخر ذو كلفة أقل.
1921، إنّه تاريخ مرور ستة عشر سنة على إنكباب (Albert Calmette) و(Camille Guérin ) على إعداد لقاح بمعهد باستور بمدينة ليل(Lille) الفرنسية؛ لقد تمخّض إصرارهم تلك السنة على إجراء تلقيح بشري أول باستعمال عصيّة لقاح (BCG) المشهور (Bacille- Calmette-Guérin) ( راجع: اكتشاف BCG, كرونولوجيا مصغّرة)، وأجرى الطبيب (Benjamin Weill-Halle) بمستشفى (la Charité)، و مدير مدرسة رعاية السلّ بباريس أول حقن بوصفة – متقبّل جدّا- من ثلاث جرعات للقاح ( BCG) عن طريق الفم لمولود جديد. ومدّدت بعد أربعة أسابيع من الملاحظة دون أن يقع حادث تدريجيا جرعات اللقاح لتطال 89 مولودا جديدا تمت متابعتهم لاحقا مدّة عدّة سنوات. و سجّل (Weill-Halle ) عند هؤلاء الأطفال نسبة وفيات ضعيفة جدّا بسبب السّل
( من 0% إلى 2% ), لكن دون – في ذلك العصر- إجرائه لمقارنة مع مجموعة
مراقبة(groupe de contrôle) " أطفال غير ملقحين ".
إذا أردنا الاقتناع بضرورة استخدام (BCG) على مستوى واسع, من الملائم تبييــن أنه لا يضرّ بالفرد ويحمي بالقدر الذي يحمي فيــه المجتمع, وهكذا فقد استعان (Calmette ) بثلاث إستراتيجيات إثبات (stratégies de validation ). تتركّز الأولى على نتائج بكتريولوجيا المختبر؛ يرى كالميت بأن التلقيحات
و اختبارات العدوى المجرات على حيوانات المختبر تبين غياب نهائي للمضاعفات ولفعالية التلقيح.كما أن الباحث يعزّز أقواله بنتائج السّريري الأول:فالمتابعة الأولى لحديثي الولادة الملقّحين – على مستوى فردي – بمثابة دليل سلامة إستعمال لقاح السّل. أخيرا, نشرت إبتداءا من سنة 1927 معطيات إحصائية مدهشة:بلغت نسبة وفيات الأطفال الملقّحين 0.8%, ولا سبيل لمقارنة هذه النسبة بمعدّل 24% عند أولئك الذين لم يلقّحوا، والذين تتراوح أعمارهم من 0 إلى 1 سنة (حسب تحقيق أجري ب500 مستشفى). ويعتبر كالميت " النّفع الاجتماعي" الذي نتوقّعه بعد تطبيق التلقيح أمرا جليّا.
الانتــقادات الأولــــى
بيد أنّ منـشورات سنة 1927 أثارت سريعا إنتقادات عديدة, وأصبحت أكاديمية الطب مسرحا لمناقشة طويلة.
تحصل ( José Lignières) البيطري الذي تكوّن بمعهد باستور على نتائج ميكروبيولوجية, سريرية شككت في النظرية القائلة بعدم الضرر الكلّي للقاح السلّ.
في الـخـارج
انقسم في سنوات 1930 السلك الطبّي الفرنسي بشكل كبير في ما يخص موقفه تجاه لقاح السلّ.وأثارت المشاكل المرتبطة بإعادة التلقيح, ومفهوم الارتكاس الجلدي (cuti-réaction) بعد التلقيح, أو مسألة عدم ضرر اللقاح التي أثارت عند بعض نبلاء الطب الاجتماعي، وعند أطباء الأطفال تحفضات هامة عبّروا عليها أمام جمعية طب الأطفال, والجمعية الطبية لمستشفيات باريس فضلا على مختلف الدوريات الفرنسية.
أمّا الانتقادات في الخارج فقد استهدفت دليل فعاليّة اللقاح بدلا من استهداف عدم ضرره.أكّد كلاّ
من (Major Greenwood ) بروفيسور علم الأوبئة بجامعة لندن ، والممثل الأعلى لتقليد علم الأوبئة الإنجليزي
و البروفيسور(Arvid Wallgren ) مختص في طب الأطفال بستوكهولم على ضعف حجج كالميت الإحصائية.
يبدو من جهة أن الرقم المرجعي لمعدل الوفيات، ألا وهو 24% داخل عائلات مع حدوث حالة سلّ واحدة رقما مفرطا بالنظر إلى المعطيات القادمة من بلدان أخرى. ومن جهة أخرى يبدو أن معدل الوفيات وهو 0, 8% قد شارك في تحديده عوامل أخرى غير عامل التلقيح ذاته: عزل في ذلك الوقت الأطفال عن عائلاتهم على الأقل مدة شهر الأمر الذي أنقص أخطار الإصابة بالعدوى.كما أن الانتقادات توجه أيضا للعدد الصغير للأطفال المتابعين –ضعيف جدا حتى يؤخذ بعين الاعتبار- وغياب مجموعات مراقبة عقب إجراء دراسات سريرية وفي الأخير يؤكد الأستاذين السابق ذكرهما على صعوبة التحديد الدقيق لمعدل الوفيات من جرّاء السلّ في غياب اختبارات بكتريولوجية, بل حتى أكثر من ذلك في غياب اختبارات تشريحية.
اكتشاف لقاح السّل, كرونولوجيا مصغّرة
1905- 1906: إصابة هضمية لبقريات صغيرة بعصية كوخ (Koch) وحينما شفيت من السمّ غدت الحيوانات
مقاومة للإصابة من جديد.
1908 : إعداد وسط زراعـة يسمح بتغيير مميزات عصيّـة كـــوخ.
1912 : لم تعد عصية كـوخ – بعد 96 عملية زراعية متتاليـة- مسببة للمرض بالنسبة للبقريات
( في الوقت الذي تبقى فيه مسببة للمرض عند الأحصنــة).أخذت هذه العصية المهدئة شيئا
فشيئا إسم عصيّـة كــالميت –غيرين ( Calmette –Guérin ).
1913-1921: إعـداد تجريبي للقاح السل عن طريق متابعة تخفيف زراعة, وتقييم مستمر للسلامة
و الفعالية باستخدام الأرانب و الفئران و البقريات.
1921: أول تلقيح بشري لمولود جديــد عن طريق الفم.
ألبير كالميت وكاميل غيرين سنة 1932
1926: لقّح رسميا 19830 طفـل بفرنسا دون ظهور أية مضاعفات.
1927: بـداية مجادلات علمية وطنية ودولية بشأن سلامة إستعمال لقاح السل وفعاليته.
وزّع لقاح ( BCG ) الذي موّلــه معهد بــاستـور و اللجـنة الوطـنية للـدفاع عن السّل وموّلـته الوزارة " مجّــانا ", بمجرد طلب من طبيب
أو قابلـة من معهد باستور, يرسل هذا الأخير بالبريد ثلاثة أنبولات لتحقن بالفـم خلال الأيـام العشرة الأوائـل من حيــاة الرضيـع.
إذن فإن النظرة الطبية للقاح السلّ بعيدة عن كونها تحالفا حرا سواء بفرنسا أم بالخارج.لكن ذلك لا يمنع من تأصل(implantation) اللقاح السريع في بعض البلدان:فرنسا ومستعمراتها, رومانيا, جمهوريات الاتحاد السوفيتي, واليونان, وبلجيكا, وبولونيا. لقد أعدت هذه البلدان " المتحولة " (pays convertis) فورا بعد الإعلانات الأولى لسنة 1924 أبحاثا حول لقاح السلّ, مثلما يشهد على ذلك دفاتر إرسال أصول
اللقاح (souches vaccinales) لمعهد باستور بباريس, غير أن التلقيح أجري بهذه البلدان قبل عام 1927.
الاخــتلافــــات
وبالمقابل تجمع مجموعة " بلدان معاديّة "، بالخصوص بريطانيا العظمى واستراليا، و الولايات المتحدة. وشككت بها المجموعة العلميّة أدلة علم الأوبئة المتعلقة بعدم ضرر (innocuité) وفعاليّة اللقاح، وغيّروا اسمه ليصبح:
(BCG, better Go cautiously) " من الأحسن التحرك بحذر". وبين البينين أجرت بسرعة وبالتدريج " البلدان المرتابة " أبحاثا في تتعلق بلقاح السلّ. أما البلدان الاسكندينافية فقد عدّلت معايير اللقاح حسب أبحاثها الخاصة
( حقن تحت الجلد مثلا )، ومدّدت التلقيح بشكل واسع خلال العقدين اللاحقين. أما ألمانيا وسويسرا، زيادة علي النمسا فلم تدخل من جهتها التلقيح إلا بصفة جزئية، وبشكل بطيء أكثر، بل أوقفوه خلال بضعت سنوات قبل أن يستعدوه بعد الحرب العالمية. ومردّ هذا التوقيف لـ " مأساة Lubeck ": أشرف سنة 1930 أطباء ذوي خبرة علي استخدام اللقاح بمدينة(Lubeck) الألمانيّة متبعين حرفيا وصفات كالميت، حيث لقح 256 مولود جديد بين شهري فيفري، وافريل 1930. وأدت وفاة ثالث طفل لوقف عملية التل
المراجع
موسوعة الأبحاث العلمية
التصانيف
الأبحاث