جمهور التيار السلفي الإنتخابي في مصر يدل على نفوذ التطرف داخل مجتمعاتنا عكس النظرة التي تعتبر التطرف ظاهرة هامشية أو محصورة لدى جماعات مغلقة

كانت هذه «تغريدة» قرأتها بالأمس على موقع تويتر، ومثلها كثير من المقالات والرؤى والبرامج الإذاعية والفضائية الغربية والشرقية التي انطلقت منذ فاز الإسلاميون بتلاوينهم المختلفة في انتخابات المغرب وتونس ومصر.. ونلحظ هنا وهناك خوفا كثير منه غير مبرر، وبعضه مبرر، من سيطرة الإسلاميين على الحكم، وسأتحدث اليوم عن الخوف المبرر فقط، أما غير المبرر، فهو يندرج تحت بند التخويف من الإسلام ليس إلا، سواء كان حَمَلته من المعتدلين أو المتطرفين

الخوف المبرر ينحصر هنا في الابتعاد عن مفهوم الدولة في الإسلام، وما إذا كانت مدنية أو دينية، وهنا يستوقفني كلام جوهري لشيخي الروحي الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي تكلم غير مرة عن السلفية المتطرفة أو «السلفية المتعصبة» كما يسميها، والصوفية، اللتين اتفقتا على تسفيه الثورات العربية عبر الترويج لما سماها «ثقافة سامة تربط الفتنة بالخروج على الحكام». وقال أن ما يقوم به الشباب العربي حاليا ليس من الفتنة في شيء، لأن الإسلام يأمر بإزالة الظلم الذي يمارسه الحكام في أبشع صفاته، فيما طالب – في الوقت نفسه - بالعمل على بناء دولة مدنية بمرجعية إسلامية ، مشيرا إلى أن مبدأ دينية الدولة ليس من الإسلام وإن الظلم وإضاعة حقوق الناس يجيزان للشعوب الخروج على حكامها، لأن تحقيق الحرية مقدم على تطبيق الشرع في الإسلام

يبدو كلام القرضاوي مركزا على السلفية التقليدية، فيما لم يغفل ولو من طرف خفي نقده اللاذع للسلفية المتطرفة، إن جاز التعبير، علما بأنني أمقت أشد المقت مثل هذه التقسيمات المتعسفة، ولكن لا بد منها للتفريق بين التيارات، وتلك السلفية التي تثير الفزع في أوساط عدة، إسلامية كانت أو غير إسلامية، هي التي دفعت ذلك «المغرد» ليضع «تغريدته» على تويتر، ولعل من جنس هذا، من ينادي بدولة دينية ثيوقراطية، يمثل فيها الحاكم أو ولي الأمر سلطة الله، فيتصرف وفق تفويض من السماء، والسماء بريئة منه، ويرتكب «باسم الله» مظالم لا قبل لمنصف عادل بها.. لقد ازددت قناعة يوما بعد يوم، أن الأصلح لهذه الأمة دولة مدنية عصرية، لا تستدعي أي شكل من أشكال الدول التي تزيت بزي الإسلام، وحكمت باسمه، فكانت أنموذجا للقمع والترويع، والتسلط، ومجانبة حقوق الإنسان المستقرة في التشريعات المختلفة، وهذا الكلام ليس بدعة من عندي، فالإسلام كما يقول الباحث الدكتور محمد محمود منصور، لم يحدِّد شكلاً مُعَيَّنًا تفصيليًّا للدولة؛ بل وضعَ قواعد عامة لكيفية إدارة الدولة ومؤسساتها، ثم ترك تفاصيلها لأهل الخبرة والتخصص والقوانين واللوائح، ولهذا فالدولة في الإسلام ليست دولة دينية – ثيوقراطية، يحكمها حاكم شرعيّ يعتبر نفسه نائبًا عن الله جلَّ وعلا، لا تجوز مراجعته أو معارضته؛ بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذاته وهو مؤسس أول دولة في التاريخ الإسلامي لم يفعله، بل أكدّ ربه عكسه على لسانه بقوله تعالي: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ)، وزاده تأكيدًا أول الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق رضي الله عنه في أول خطبة له بعد اختياره من المسلمين حين قال: «لقد وُلّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوّموني..».. بل إن الحاكم أجير عند الشعب الذي يختاره، كما يُفهم ضمنًا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم المعروف: «كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، فهو راعٍ وخادمٍ لهم، أجير عندهم، مسؤول منهم وعنهم.. فمن أين جاءت فكرة الدولة الدينية؟ وهي نموذج لفظته أوروبا بعد أن أمسكت الكنيسة بخناق المجتمع، وها بيننا من يريد أن يعيد عجلة التاريخ إلى الوراء فيحكمنا باسم الله إنه كهنوت جديد، يلبس لباس الإسلام.

الدولة في الإسلام، مدنية بكل معانيها، دائمة التطوّر والتجديد والتحديث، لكن بمرجعية دينية ربَّانيَّة، أي في إطار أخلاق الدين وشرعه سبحانه وتعالى

البعض يعتقد أن الصدام قادم بين أجنحة الفهم الإسلامي المختلفة من الجماعات الإسلامية المعاصرة، وأنا من هذا البعض، لكن الغلبة ستكون للاعتدال والوسطية، وستختفي التيارات الموغلة بالشطط، عند أول تطبيق خاطىء لفهمها، وليس بعيدا أن نشهد اصطفافا وشيكا للقوى المعتدلة، إسلامية كانت أو علمانية، تستقوي بوسطية الإسلام على أي شطط


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية