جميلة هي الفكرة التي ابتكرها فنان أميركي، قام بتجربة مصورة وموثقة لفرضية بسيطة جدا، تعتمد على الثقة بالنفس وثقتك بالآخرين، وأيضا على نظرتك إلى شخصك، وحكم الآخرين عليك.
ببساطة قام الفنان الرسام بعدة مقابلات مع سيدات ورجال من مختلف الأعمار والأجناس والمستويات التعليمية والثقافية. وكانت المقابلة مشروطة بأن يدير الفنان ظهره للشخص الموجود، ويبدأ برسمه على لوحة بيضاء بناء على وصف الشخص لنفسه، ومحاولة ايصال تفاصيل وجهه للرسام، الذي يسأله بعض الأسئلة الدقيقة حول تقاطيع وجهه، للوصول إلى أقرب صورة مشابهة للشخص.
الجزء الثاني للتجربة، يكون باستضافة أصدقاء ومقربين من الشخص نفسه، والذين بدورهم يملون على الفنان مواصفات صديقهم، وتفاصيل وجهه، التي ينقلها الرسام فورا على لوحة بيضاء ثانية. ولن تتخيلوا كم كانت النتيجة رائعة.
ففي نهاية التجربة المصورة، يفتح الرسام الصورتين، ليفاجئ الضيف بصورته في عيون الناس من حوله، والتي أثبتت تجربته البسيطة أنها أحلى وأجمل من صورته التي يعتقدها هو عن نفسه.
الفكرة على بساطتها تعزز ثقة الإنسان في روحه التي هي أساس نظرة الآخرين له، بدليل أن الصور المنقولة عن وصف الأصدقاء كانت بعيدة نوعا ما عن الواقع. فالأنف الكبير أصغر، والعينان أكثر اتساعا، والبشرة صافية نقية، ولا وجود لأي علامات فارقة حتى ولو كانت موجودة فعلا.
تنهدت طويلا بعد انتهاء الفيديو المصور، محتفظة بابتسامة الرضا والتأثر بنتائج التجربة. ولكن كالعادة، بدأت أسقط الفكرة علينا نحن، وأتخيل لو أن رساما قرر أن يفعل هذا مع سيدات ورجال في منطقتنا العربية، التي تعاني شريحة كبيرة من أفرادها، من مشاكل نفسية وعقد اجتماعية خلفها إرث تربوي ومجتمعي وسياسي وثقافي واقتصادي، من صنيعة لصوص الظلام الذين سرقوا أعمارنا، ونهبوا أجمل ما كان فينا، ورموا بمقدراتنا الإنسانية على قارعة طريق الفساد والإجرام. الإجرام الذي دمر البنية التحتية لقيم الأخلاق والإبداع والنجاح.
لن نخبئ رؤوسنا في الرمال وننكر أننا شريحة واسعة من المواطنين العرب، نعاني زعزعة قوية في ثقتنا بأنفسنا وبالآخرين من حولنا، وفي الأشياء الأصيلة المجردة الفطرية. وبأننا مهوسون بنظريات التآمر، ومقيدون بقصص وروايات خائبة، تدور في فلك واحد، وهو أن الفشل كان سببه الوحيد والأوحد، خيانة المحيطين ولحظات الغفلة، حين سحب البساط.
كيف تراني؟ سؤال لا يتناسب مع ثقافة الحوار عندنا، لأننا في الحقيقة نخجل أن نطرحه على المقربين. وإن فعلنا لسبب عاطفي مثلا، فأننا ننكر على أنفسنا المديح والإطراء والوصف الجميل، ونعتبره مبالغة. السؤال الأكثر شعبية هو، كيف تراه؟ أو كيف تراها؟ حيث نعود لفكرة التجربة السابقة، إنما من وجهة نظر الجمهور، الناس المحيطين من الأقرباء والأصدقاء والجيران، وزملاء الدراسة والمهنة. وهنا أترككم مع عنان خيالاتكم، "بربحوا" فيها أنى شئتم، مع رجاء حار وهو أن تتحروا الصدق مع أنفسكم، حين تصلون إلى النتيجة النهائية، وتقارنون ما بين الصورتين، أيهما أجمل؟ والأهم أن تقروا إن كنتم قد شاهدتم في كلتا اللوحتين، صورة جميلة أصلا!
المراجع
kermalkom.com
التصانيف
صحافة جريدة الغد حنان كامل الشيخ الآداب