لا يكف صديقي عبد الله شيخ الشباب ـ طالب الثانوية العامة ـ عن اتحافي بمساهماته الطريفة، ولا أقوى على عدم الاهتمام بها حتى لو كلفني هذا إخلاء هذا المكان كاملا له.. كما افعل اليوم..
كم هو مؤسف جداً أن أرى أننا قد وصلنا الى الزمن الذي أصبح يتطاول فيه السفهاء على العقلاء ،وأصبح يسخر فيه الجهلة من العلماء ، وأصبح يستصغر فيه التافهون الحكماء .
وكم هو مؤسف أيضا أن أرى أن الهرج قد كثر، وكم هو مؤلم أن أرى تعملق الأقزام ، وتأقزم العمالقة، واختلاط الحابل بالنابل ، وانقلاب الأمور ، وتغير الحال، وتبدل الأحوال ، وكم هو مؤلم لي اكثر أن يصبح التافهون واثقين أشد الثقة من تفاهاتهم ، ويصبح الحكماء والعقلاء والعلماء تساورهم الظنون وتعتريهم الشكوك في معلوماتهم.
إن هذا الأمر قد دفعني صراحة أن أقوم بالنظر الى هنا وهناك لعلي أجد تفسيرا واحدا لما يحدث ؛ وبعد محاولاتي المتعددة ، وبعد اجرائي لبعض الأبحاث الخاصة بي في هذا الشأن؛ وجدت أن إرادة الله سبحانه وتعالى؛ كانت قد شاءت بالفعل أن يخلق أيضا معنا بعضا من المخلوقات البشرية من ذوات العقول الصغيرة ليشاركونا العيش في هذه الحياة ؛ وذلك لحكمة يريدها هو سبحانه وتعالى لم اكن أعلم بها سابقاً، وعلى الرغم من أنه ليس من عادتي أبدا أن أقوم بتجريح الأغبياء، ولا الاستهزاء بالسخفاء ، ولا السخرية من الحمقى والجهلاء. وبالرغم من أني أعلم بأن « التافه « في رأيي هو ذلك الشخص « السفيه « الذي لا يعي ما يقول ، والذي يهذي بما لا يفهم ، والذي يردد ما لا يعرف ، وأعلم جيدا أن ما ينطق به من كلام، وما يقوم به من تصرفات ؛ ماهي إلا سوى دلالات مؤكدة على أنه يحمل في جسمه وعقله كروموسومات مشبعة بالتفاهات وجينات مليئة بالسذاجات ، وأن لسانه متعود ومعتاد على قول السفيه من الكلام، وبالرغم من أنني كنت دائما أنصح الناس التافهين بأن يحتفظوا دائما بآرائهم التافهة لأنفسهم. وكنت أذكرهم دوما بألا يقوموا بالكشف عن مدى صغر حجم وتفاهة عقولهم أمام الآخرين ، وكنت أنصحهم دائما بالسكوت والتزام الصمت وعدم تحريك اللسان ، وعدم فتح الفم إلا لمضغ الطعام، وبالرغم من أنني أعلم أنه ليس من الحكمة أبدا الإنصات الى الحمقى والساذجين . وأعرف أنه من الحكمة ورجاحة العقل تجاهلهم وعدم الاكتراث بهم أو بوجودهم، وبالرغم من أنني قد تعلمت من الحياة بألا أجيب التافه إذا خاطبني ، وأن أعرض عن الساذج إذا كلمني ؛وأن أقطع البث والإرسال عن الغبي إذا حاورني، وبالرغم من كل هذا وذاك ، إلا أنني كنت أجد نفسي أحيانا مضطرا أن أقوم بالضغط على نفسي وأمسك بأعصابي ، وأقوم واضطر بالرد على البعض من هذه المخلوقات ،والالتفات اليها ؛ وخاصة حينما كان يبلغ السيل بي الزبى ، وحينما لا يكون أمامي في حينها سوى هؤلاء القوم من أصحاب العقول اليابسة المتحجرة والمقفلة بالجنازير ؛ التي لاتقدر على فتحها كل مفاتيح الدنيا، لكني الآن ، وبالرغم من كل ذلك ؛ فهذا أنا أحاول جاهدا أن أقوم من جديد بإقناع نفسي بعدم صحة موقفي السابق منهم ، ولهذا فقد بدأت أقوم بتدريبها مرة أخرى على عدم الاستماع الى ما ينطق به التافهون ، ولا الى ما يقوله الساذجون، كما أني بدأت أحاول اقناع نفسي بتطنيشهم ؛ ليس غرورا مني بنفسي ولا إعجابا بها ، ولا تكبرا مني على الآخرين ، ولا احتقارا مني لهم، إنما هو للإبقاء على هدوء أعصابي فقط ؛ قدر الإمكان
| لأنني أصبحت أكثر وعياً بأن الصمت عن التافه أو الجاهل أو الأحمق أو الوضيع ؛ هو شرف ، وفيه أيضا لصون العرض إصلاح . لاسيما أنني أعلم بأن الصوت العالي ، والكلام الفاضي ، والتصرف الأهوج ؛ أمور لا يمكن لها أن تصدر إلا من كل شيء فارغ من المحتوى والمضمون | | كالبرميل الفارغ الذي نراه يتدحرج ويملأ الدنيا صخباً وضجيجا وإزعاجاً .وهذا ما جعلني أزداد يقيناً ومعرفةً وعلماً ؛ بأن العلم قد وضع حدودا للمعرفة مهما كانت واسعة لكنه نسي للأسف أن يضع حدودا واضحة للغباء والتفاهة .
ولهذا بقي الفراغ هو الشيء الوحيد في هذا الكون الذي لا حد له في الاتساع والامتداد . وهذا مايجعلني أقول بكل وضوح : بأن كل تافه وأحمق وجاهل وغبي ؛ هو قبل كل شيء ؛ إنسان فارغ من المحتوى والمضمون ، وأنه مليء ومشبع بشتى أنواع الفراغ الفكري والعقلي والذهني . ولهذا أنصحكم جميعا بحفظ مقولة : «طنش الحـمير تعش أمـير» .
مع تقديمي أشد عبارات الاعتذار للحمير.
شكرا لأخي عبد الله، وشكرا لحكمته الرائعة..
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة حلمي الأسمر جريدة الدستور
|