يعتقد مسؤولون اسرائيليون بحتمية اشتعال حرب جديدة مع حزب الله. اعتقادهم في محله. ولكن ليس للأسباب التي توظفها اسرائيل مبرراً لحروبها المتكررة على لبنان.
الحرب ستشتعل من جديد لأن اسبابها ما تزال قائمة ولأن لا أحد في اسرائيل أو الادارة الأميركية يريد معالجة هذه الأسباب.
ففي وعيها الجمعي، ترى اسرائيل نفسها ضحية العدائية العربية. صراعها مع العرب صراع وجودي غير مرتبط باحتلالها أراضي العرب. أغلق المجتمع الاسرائيلي عيونه عن أسباب الصراع الحقيقية. فهو لا يرى ظلم الاحتلال ولا يتعاطف مع معاناة الفلسطينيين ويرى في الدمار الذي تلحقه آلته العسكرية بالعرب دفاعاً عن النفس في مواجهة عدو همجي لا يمت للثقافة الانسانية بصلة.
نسيت اسرائيل ان حزب الله تكوّن من المعاناة التي ألحقتها باللبنانيين بعد اجتياحها بيروت العام 1982 . ومسحت الدولة الصهيونية من ذاكرتها الظروف التي أدت الى بروز حماس وتسيدها المشهد السياسي الفلسطيني.
وها هي تلغي من حساباتها المستقبلية الشرط الأساسي لتحقيق السلام الذي يحول دون تفجر الحرب كلما تهيأت ظروفها. فلا حديث عن حل سياسي للقضية الفلسطينية ولا تحرك نحو ازالة اسباب التوتر مع لبنان بحل قضيتي مزارع شبعا والأسرى.
وسيجد من استمع الى اقوال الرئيس الأميركي جورج بوش أمس اسباباً أخرى للاعتقاد بحتمية الحرب في لبنان، وربما مستقبلاً، في غير لبنان.
تبنى الرئيس الأميركي اللامنطق الاسرائيلي بالمطلق. قزّم الأزمة مع لبنان الى ابسط تجلياتها. كل ما يعني جورج بوش الآن هو بناء منطقة أمنية تحمي اسرائيل ونزع سلاح حزب الله. لا اشارة لمزارع شبعا. لا ذكر للأسرى. ولا استذكار للقضية الفلسطينية التي لن يهنأ الشرق الأوسط بالسلام إذا لم تحل على أسس تحترم حقوق الشعب الفلسطيني.
لم يتعلم الرئيس الأميركي شيئاً من حرب لبنان, تماما كما لم يستخلص أي دروس نافعة من اداء ادارته الهزيل في العراق. والنتيجة أن بلاد العرب ستظل تدفع ثمن الانحياز الأميركي الكامل لسياسة اسرائيلية لن تؤدي إلا الى قتل كل فرص السلام في المنطقة.
يتحدث الرئيس الاميركي الآن عن قرار ثان لمجلس الأمن حول لبنان. والمكتوب يُقرأ من عنوانه. فالقرار سيكون مجحفا بحق اللبنانيين وعاجزا عن إطلاق مسيرة لازالة أسباب التوتر. فالقرار السابق لمجلس الأمن تأثر بالضغط الاخلاقي الذي تبلور ردة فعل على الجرائم الاسرائيلية في لبنان. اما القرار اللاحق فستطبخه الادارة الاميركية على نار هادئة لينسجم تماما مع ما تريده، ما يعني، ما تريده اسرائيل.
لا يريد الرئيس بوش دولة داخل دولة في لبنان. اللبنانيون لا يريدون دولة داخل دولتهم أيضاً. ومعظم العرب يؤيدونهم في هذا الموقف. لكن السؤال هو كيف يمكن الوصول إلى ذلك الهدف. بوش واسرائيل يظنان ذلك ممكناً من خلال معاقبة لبنان وبالاعتماد على القوة العسكرية. اللبنانيون يعتقدون أن الطريق لذلك تبدأ بانسحاب اسرائيل من اراضيهم المحتلة. ويحذرون من أن الخطة الاسرائيلية الأميركية ستقوض أمن بلدهم. التجربة اثبتت وجاهة الموقف اللبناني. لكن المشكلة، مرة أخرى، هي أن الرئيس الأميركي لا يقرأ التاريخ ولا يجيد استخلاص الدروس.
طبيعي، في ضوء كل ذلك، ان يكون تجدد اشتعال الحرب حتمياً.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ايمن الصفدي   جريدة الغد