وصل الفلسطينيون إلى حافة الهاوية. لكنهم لم يقعوا فيها بعد. وما يزال بالإمكان الوصول إلى معادلة تعيد الخلاف الفلسطيني الداخلي إلى رحابة الأفق السياسي.
صحيح أن الوصول إلى تلك المعادلة صعب في ظل التصعيد السياسي والأمني بين فتح وحماس. لكن الوقوع في الهاوية سيؤدي إلى نتائج دمارية على كل الشعب الفلسطيني. ولا شك أن الحؤول دون الوقوع في هذه الهاوية هدف يبرر تحمل كل صعوبات البحث عن مخرج يحقن الدم الفلسطيني ويرفع عن الفلسطينيين شبح الحرب الأهلية.
حكومة حماس فشلت في إدارة شؤون الشعب الفلسطيني الحياتية ولم تستطع تقديم بدائل عملية لإدارة الصراع مع إسرائيل. ويمكن المحاججة أيضاً أن حكومة حماس فُشِّلت. ذلك أنها حوصرت من اليوم الأول لتولي السلطة. طلب منها العالم أكثر مما يمكن أن تعطي من دون إشراكها في حوار يحترم أحقـيّـتها في الحكم بعد فوزها بانتخابات نزيهة.
بيد أنه بمعزل عن أسباب التخبط الذي يطمس المشهد السياسي والأمني الفلسطيني، يعيش الفلسطينيون أزمة تحمل كل احتمالات التفجر اقتتالاً سيدمي حماس وفتح وسيحوّل غزة ساحةً لحرب أهلية.
بذلك تكون القيادة الفلسطينية قدمت لإسرائيل أكثر مما كانت تحلم به: فوضى فلسطينية تخلي لإسرائيل الساحة لتحقيق كل أهدافها. ستقول إسرائيل للعالم إن الفلسطينيين قتلوا عملية السلام. ستجد مبرراً لعدم إحياء المفاوضات لانعدام الشريك الفلسطيني. وستكرس كل أدواتها السياسية والإعلامية لتقنع المجتمع الدولي أن الفلسطينيين خطر لا يمكن منحه دولة يهدد من خلالها أمنها.
الفلسطينيون يقتلون بعضهم بعضاً والجنود الإسرائيليون يتفرجون! مهزلة تاريخية بكل معنى الكلمة. لكنها لن تبقى مهزلة. ستستحيل كارثة. وإذا تم ذلك فلن يكون من السهل إلغاء نتائجها، سواء باتجاه العلاقة مع العدو الإسرائيلي أو فيما يتعلق بالعلاقة الفلسطينية الداخلية.
ثمة مسؤولية تاريخية على كل القيادات الفلسطينية لوقف التدهور. الحل يكون في العودة إلى بحث تشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس برنامج سياسي واضح يقدم مصلحة الشعب الفلسطيني على اعتبارات الحكم والمواقع.
وفي الوقت الذي تطلب حماس من فتح دعم برنامجها المقاوم، ضروري أن تدعم حماس أيضاً برنامج فتح السياسي المقاوم. برنامج سياسي يوظف المقاومة المسلحة والسياسية لتحقيق هدف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي هو ما يحتاجه الفلسطينيون منطلقاً للتفاوض على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ورغم الأثر الشعبوي للشعارات، لا تستطيع حماس أن تلغي حقيقة أنها تعمل في بيئة إقليمية ودولية لها ضغوطها وحقائقها التي لا يمكن إلا الالتفات إليها. الشعارات وحدها لا تكفي. والمواقف العقائدية وحدها لا تحرر وطناً. المقاومة وسيلة لا هدف. مسؤولية القادة أن يعرفوا كيف يحققون هذا الهدف.
لكن احتمال الفشل في التوافق على برنامج سياسي تشكل على أساسه حكومة وحدة وطنية قائم. وهذا فشل يجعل من العودة إلى الشعب خياراً مقبولاً ديمقراطياً ومفروضاً واقعياً أيضاً.
فالنظام السياسي الفلسطيني يقوده رئيس منتخب مباشرة وحكومة تشكلها الأكثرية البرلمانية. انعدام التعايش بين الرئاسة والحكومة يشل مؤسسات الدولة. ولأنه لا يجوز أن تلجأ إحدى المؤسستين إلى انقلاب على الأخرى، لا بد من العودة إلى الخيار الديمقراطي من خلال انتخابات رئاسية وبرلمانية تحسم أين يقف الشعب من البرنامجين المتضاربين.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد