قام الرئيس بخطوة طيبة قادت الى انهاء اضراب عمّال المياومة عن الطعام، وكان الاضراب قد طال، وبدأ نقل المضربين تباعا الى المستشفى الى أن قرر الرئيس التدخل فالتقى اثنين من قادة "اليسار الاجتماعي" بحضور وزير تطوير القطاع العام، وتمّ التوصل في اجتماع واحد الى اتخاذ القرارات المناسبة في كلّ القضايا العالقة والمزمنة لعمّال المياومة، وعلى رأسهم عمّال وزارة الزراعة، والذين دخلوا في عدّة جولات احتجاجية من اجل تحسين اوضاعهم المزرية.
ما شأن جماعة اليسار الاجتماعي في الموضوع؟
الجماعة هي الجهة السياسية الوحيدة التي تبنت قضية عمّال المياومة. وأصدرت عدّة بيانات ووجهت نداءات، وكتب الزميل ناهض حتّر الذي يقود هذا الاتجاه في اليسار الى جانب د.خالد كلالدة ود. أحمد فاخر، عدّة مقالات وقدموا اقتراحات واقعية لحلّ المشكلة. واليسار الاجتماعي يأتي بلغة راديكالية جديدة تختلف عن اللغة المحنطة للأحزاب الشيوعية التقليدية ويجمع بين ظواهر تبدو متناقضة، شيء من التشدد الوطني الاردني والعشائرية وشيء من التشدد الطبقي وشيء من الليبرالية الثقافية-الاجتماعية، وبالإجمال ثمّة ديناميكية وابتكار في اللغة السياسية. 
هي مبادرة غير مسبوقة ان يعترف الرئيس بهذا الدور لجماعة يسارية راديكالية، وبدلا من لقاء مجاملة سياسية عابر يسمح الرئيس بلقاء عملي تمثل فيه هذه الجماعة السياسية قضية قطاع اجتماعي ولا يتوقف الرئيس أمام أي عقد أو حسابات ضيقة، ولعله هو نفسه يكون قد اكتشف أفضلية الحوار مع مثقفين على هذه السوية المتقدمة من الوعي والقدرة على البحث العقلاني والمنطقي.
من جانبه قدّم الزميل ناهض حتّر ما حصل كالتالي: طلب الرئيس من وزير تطوير القطاع العام عرض الملف من وجهة نظره، ثم طلب الينا أن نعرض وجهة نظر العمّال، ثم توصل بسرعة ودقة الى الاستنتاجات الضرورية لإنهاء الملف كله، في استجابة شاملة وجذرية وخلاّقة لمطالب العمّال.
استحق الرئيس اشادة نادرة في مقالات الزميل ناهض، الذي نقل انطباعا هو نفسه ما نقله آخرون، وأشرنا له في مقال سابق حول الروح العملية والمهنية التي تقوم على الانجاز والحسم. ويقدم حتّر نصيحة الى كل القوى الاجتماعية والسياسية ان تفيد من هذه المنهجية عند الرئيس في بلورة المطالب بدقة وانتباه، بالمعطيات والارقام والأفكار المحددة والمقنعة.
الحكومة لا تقدم نفسها بلون سياسي اجتماعي معين، لكن هناك استخلاص سياسي مهم، فاستقبال الرئيس لجماعة سياسية "راديكالية" يمثل تجاوزا لعقلية التجاهل والتهميش السياسي. ويمكن متابعة هذه الخطوة بالانفتاح على القوى السياسية الاجتماعية غير التقليدية والتحرر من ثنائية (السلطة والمعارضة الاسلامية) التي فرضت ركودا قاتلا على الحياة السياسية، وسيظهر اثر هذا الانفتاح في تحسين المناخ العام وتقوية صورة الحكومة واغناء التفاعل السياسي الوطني. 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جميل النمري  صحافة  جريدة الغد