وضعت جانبا موضوع مقال اليوم بعد أن قرأت في ملحق شباب الرأي خبر رعاية رئيس جامعة البلقاء التطبيقية لتوقيع أطول لافتة في العالم "لافتة الولاء والانتماء لقائد الوطن".
لست متأكدا اذا كانت ستدخل كتاب جينيس للأرقام القياسية كأطول لافتة لكن قد تكون كذلك مقرونة بموضوعها، ويا ليتها لا تعرض للمنافسة وأن لا تدخل موسوعة جينيس حتّى لا نكون موضوعا للشفقة والتندر. فما هو الانطباع في الخارج عن "إنجاز يافطة طويلة جدا في دولة ما لإعلان الولاء لزعيمها؟!
هذا نموذج آخر على مزيج من التخلف والنفاق والتزلف كما يتبدى في الكثير من الظواهر ابتداء من "الأغنيات الوطنية" بتعابيرها الركيكة والرديئة هذه الأيام على محطّات اف ام وعلى قنوات البث الفضائية المحلية وانتهاء بإعلانات الولاء في الصحف في المناسبات العامّة والتي سبق ان تحدثنا عنها في مقال سابق.
أنا لا ارتاح لمظاهر التعبير الزائد عن الولاء والانتماء، فالمبالغة تعكس في الواقع زيفا وتملقا للسلطة وليس مشاعر حقيقية. وشيوع التزلف يؤكد الفشل والتخلف. ومما يبعث على الأسى ان يرعى رئيس جامعة مثل هذا النشاط، وكان الأجدر البحث عن فكرة فيها إنجاز لرقم قياسي مفيد او حتّى طريف، وليس رقما قياسيا لا ينطوي على اي مهارة. ويمكن لأي كان أن يزيد عليه بشراء بضعة مئات الأمتار الأضافية من القماش ليزاود على سابقيه في استعراض "الانتماء والولاء"!
ان المشاعر الحقيقية للانتماء والولاء النزيه يمكن أن نراها في وقتها وسياقها الطبيعي في اي موقف أو مناسبة ويمكن تمييزها عن الافتعال المصلحي والساذج الذي يثير النفور والامتعاض. ولن يتوانى البعض عن اقامة صروح وتماثيل لولا ان أول محاولة من هذا النوع قُبرت في المهد على يدّ المغفور له الحسين الذي حين سألوه وماذا نفعل بالتمثال النصفي الذي كان قد تمّ عمله اقترح إرساله الى دولة شقيقة ليركبوا عليه الرأس الذي يريدونه.
ولا ندري تفسيرا لتفاقم ظاهرة تتناقض كليا ليس مع تطور الزمن فحسب بل مع جهود التحديث والتطور التي يرعاها جلالة الملك. قيادة شابّة وحديثة تسعى لتقدم الاردن لا يناسبها ابدا ظواهر التملق والتزلف المصلحي التي تبث رسالة معاكسة ثقافيا واجتماعيا لمفاهيم الإنتاج والإنجاز والاستقامة والعطاء والمواطنة الصالحة والكرامة. وفي مناسبة لتجمع اقليمي على البحر الميت يبحث في تطوير دور الشباب بحضور قيادات من رجال الأعمال الشباب وقف فجأة شاب من عندنا ليشق حنجرته بالهتاف المعروف يعيش جلالة الملك المعظم من دون اي سياق يبرر ذلك وبصورة محرجة للجميع حتى وهم مضطرون لمجاملته بالردّ على الهتاف. وأنا على يقين ان هذه الظاهرة التي عادت تتوسع مؤخرا من دون مبرر لا تجد ارتياحا أو قبولا عند جلالة الملك وقد حان الوقت لنشر ثقافة معاكسة لها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جميل النمري صحافة جريدة الغد