الآثار النفسية لطيلة مشاهدة القنوات الفضائية
جميعنا لا ينكر أن التلفاز أصبح جزءاً من الحياة المعاصرة، فمن النادر أن تجد منزلاً في العالم يخلو منه ،كما أنه أصبح جلابا ً للاستضافات اليومية العديدة في بيوتنا، ومعظمها مزعجة من الدعايات الاستهلاكية والمهاترات، والصراعات السياسية، والإرهاب الاقتصادي بغلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار، والركود في البورصات والعقارات والسيارات، والتضخم المالي، والبطالة، وإغلاق الشركات الكبرى والبنوك.. الخ، والدعايات المباشرة وغير المباشر لزيادة النمط الاستهلاكي، وغسيل أدمغة البشر من القيم والمباديء، والرعب والخوف من مشاهد الحروب الأهلية والدولية، والكوارث الطبيعية، والإرهاب الفردي والجماعي، وإرهاب الدول من مشاهد القتل، وإراقة الدماء والجرائم، ومشاهد الانفجارات والموتى والمشوهين والدمار، ومشاهد الضرب المبرح في المظاهرات، والتعذيب في السجون، وصراخ المنكوبين والمشردين، والمنفيين، والجائعين، ومن أحلت بدارهم النوائب والمصائب، فكل هذه المشاهد بكل مآسيها تتغلغل في النفس لتركن في أعماق المشاهدين خاصة الأطفال والنساء فيتولد القلق والخوف والكآبة والعنف.
الأطفال هي الفئة الأهم، فهم أكثر انتباهاً وتقليداً لما يشاهدون، فالطفل بعد عمر عامين ونصف يبدأ التقليد لما يشاهده وفي الخامسة يتعمق في فهم الرسائل لما يراه من العنف، فيبدأ بإعطاء التعليل والتبرير لما يشاهده بطريقة خاطئة وعلى هواه حيث لم يبلغ ذلك النضوج العقلاني للفهم السليم. فيعتقد أن العالم والمجتمع عالم العنف والسطو والقوة وان ذلك هو الطبيعي. فتذهب به المشاهد العنيفة المتكررة باتجاهين:
الأول: الرعب والخوف من الآخرين والاستسلام وبالتالي العزلة والخوف والجبن والتشاؤم والعناد وتدني الانتماء الأسري، والأمان، وقلة الصبر، وترك المهمات الدراسية، والانحراف، وأحيانا الانتحار.
والثاني: التمرد على الرعب والخوف بالتحصّن ( بوسائل دفاعية نفسية سلوكية ) وإيذاء المحيطين به والعنف والسلوك الإجرامي الذي قد يصل إلى القتل والإرهاب. كل ذلك من وسائل الدفاعات النفسية في العقل الباطن عند الأطفال والمعروفة بتحكمها بهم ومن هنا تتولد ما يعرف بالشخصية الضد الاجتماعية السيكوباثية.
وكذلك الحال فإن التلفاز عملية تلقائية نشطة تسحب من عقول البشر وذهنهم طاقاتهم الخلاقة. فبعد مرور ساعات من المشاهدات كم احتاج من الوقت للانجازات العملية أوالاحتكاك الاجتماعي او القراءة، او الرياضة، والتفكير في انجازات اليوم والمستقبل؟
لقد أجريت دراسات تخطيط الدماغ خلال مشاهدة التلفاز فوجد أن هناك تثبيط دماغي بزيادة أمواج ( ألفا ) على العكس تماما خلال المطالعة والقراءة، والاستماع الى الموسيقى المريحة، وتنتهي الدراسات بالإشارة أن التلفاز يعكس مدى امتصاص واختزال الطاقات الذهنية والنتيجة اضطراب التركيز، والاحساس بالإحباط، وعقدة الذنب لإهمال الواجبات، وضياع الوقت في المنفعة الشخصية وللآخرين، والخمول الجسدي على العكس تماما من القراءة، او الرياضة، التي تسبب إلى ارتفاع المزاج والنشاط والحيوية.
وبينت الدراسات في جامعة (هارفرد) أن مشاهدة التلفاز لمدة طويلة لدى الشباب يرفع من احتمالية حدوث الكآبة بعد سنوات حينما تكون المشاهدة اكثر من ساعتين يوميا وكل زيادة ساعة في المشاهدة اليومية ترفع من نسبة حصول الكآبة ( 8 % ) ولذلك فالأشخاص الذين لديهم استعداد للكآبة هم أكثر ميولا لمشاهدة التلفاز وبالتالي المزيد من الكآبة، وكذلك الحال بالنسبة للجرعات فكلما ازدادت الجرعات للمشاهدة زادات نسبة حصول الاضطراب النفسي، وان أكثر الناس سعادة أولئك الذين هم اقل متابعة للتلفاز والأقل سعادة أولئك الذين يقضون معظم وقتهم أمام التلفاز. ( ميريرلاند ) فالأكثر سعادة لديهم انشغالات بناءه (الصلاة، الذهاب إلى أماكن العبادة، والأصدقاء، الرياضة، القراءة، الاستماع للموسيقى، الكتابة، والهوايات الأخرى)، إضافة إلى أن الدراسات أثبتت سوء الصحة الجسدية لطيلة مشاهدة التلفاز ( كالتدخين، وزيادة احتساء القهوة، وزيادة المأكولات، والركود ونقص الحركة، فتحدث البدانة، واضطراب النوم، زيادة القلق والكابة).
إن المشاهدة تضفي نوعا من الراحة النفسية السريعة للإزاحة والهروب من المعاناة، فهذا الاحساس النفسي ارتبط بهذا الجهاز ( بالاشراط الكلاسيكي). فحينما يغلق التلفاز يقل الارتياح ولذلك يعود للفرد الرغبة بالمشاهدة مرة أخرى.. وهكذا، وبذلك يصل الإنسان إلى الإدمان. فكل مشاهدة تسبب إلى تضخيم الوقت لمشاهدات أخرى.. أنها مثل المهدئات التي سرعان ما تزيل أعراض التوتر ثم بعد انتهاء مفعولها يعود التوتر أكثر ليتناول جرعة اكثر تصاعديا وهكذا ليصبح مدمناً.
ويبدوا أن الجاذبية للمشاهدة تنبع من التوجيه البيولوجي للاستجابات الغرائزية السمعية والبصرية، لأي طاريء أو جديد أو ملفت او مثير سواءً كان ذلك مفرحاً أو مقلقًا، والتغيرات الفسيولوجية تشمل اتساع الأوعية الدموية للعضلات، وهبوط الأمواج الدماغية المثبطة مؤقتا لتحفيز العمليات الذهنية من انتباه وتركيز وحصر أكثر المعلومات، بينما بقية أعضاء الجسم في هدوء وأثناء ذلك يستفيد المروجون للدعايات او المحطات التي تقوم بالقطع المفاجئ لحين العودة إلى البرنامج الأصلي حيث أنها تعمل بهذه الأساليب على تهيئة الجهاز العصبي مرة أخرى للانتباه والتركيز أنها الوسيلة وليس المحتوى لهذه الدعايات او المقاطعة هي التي تشد الانتباه .
إن الإنقطاع المفاجيء لمدمني التلفاز يسبب لأعراض أنسحابية مثل القلق والعصبية المفرطة ، واضطراب المزاج وارتفاع الضغط والنبض والرجفان ، لقد أصبح سوء استعمال التلفاز في العالم كسوء استعمال المهدئات والأعراض الانسحابية مشابهة لها تماماً .
المراجع
altibbi.com
التصانيف
الغذاء والدواء الطبي طب العلوم البحتة العلوم التطبيقية