من بين الأمور الكثيرة التي تجمع بين الأردن ولبنان أنهما محكومان جيو- تاريخيا للجوار مع "الأخ الأكبر" السوري، ولهذا الجوار (كما في كل مكان) أعراضه السيكو- سياسية ممثلة بعقدتي الهيمنة والوصاية. ميول فطرية نحوهما من جهة ومقاومة فطرية لهما من جهة أخرى، ثم أن الأمر هنا يتعدّى الجيرة، ففي عمق الوعي السوري لم يكن ينظر الى الأردن ولبنان إلا بوصفهما كيانين سلخا عن جسم سوريا الكبرى.
ولعلّ حقائق الحياة والسياسة لم تترك لعقدة الإنسلاخ أن تتحكم في العلاقة مع الأردن لكنها استمرت مع لبنان لدرجة رفض قيام أي تمثيل دبلوماسي متبادل، وقد أتاحت تعددية لبنان الدينية والطائفية تفرده وحده في العالم العربي بنظام ديمقراطي لكنها فتحت الباب لكل الأيدي الخارجية القوية أن تلعب في داخله وتبني قواعد نفوذ، وانتهى الأمر بعد الحرب الأهلية عام 76 بوقوع لبنان كلّه تحت السيطرة السورية. والأردن مثل غيره قبل هذا الواقع لكنه أكثر من غيره كان ينفر منه ويتضامن بالعمق مع الاستقلالية اللبنانية وهو ما ربط اللبنانيين الى الأردن بمشاعر خاصّة.
لقد تعاقبت فترات الصفاء والتعكير في العلاقات الأردنية السورية بغض النظر عن لبنان، لكن ذروة الخلاف بين معسكري الاعتدال و"الممانعة" تزامن مع ذروة الصراع في لبنان بين الأغلبية المدعومة من معسكر الاعتدال والمعارضة المدعومة من سورية وايران، ثم أنه ومن عجائب السياسة أن مصالح الجميع التقت عند منع الانفجار، أو كما يقال "اشتدّي أزمة تنفرجي"، وقيّض الله للعقدة الكبرى والأخطر وهي منصب رئيس الجمهورية شخصية توافقية أمكن عجائبيا أن تكون محل ثقة وموافقة كل الأطراف بلا استثناء، وهو قائد الجيش العماد سليمان. واجترح "الأفرقاء" -وفق التعبير اللبناني- برعاية قطرية وأقليمية اتفاق الدوحة وهو من بواكير ارهاصات التحول السياسي في المنطقة.
وسط مشاعر محتقنة وتناقضات لا حصر لها أمكن لقيادة ميشال سليمان أن تمضي قدما في تطبيع العلاقات مع سورية وصولا إلى الخطوة التاريخية ذات الدلالات الحاسمة بفتح السفارات وتبادل التمثيل الدبلوماسي. ويتطلع الجميع إلى الرئيس سليمان ليجترح المعجزة التالية وهي قيادة لبنان بنجاح لتجاوزالمحطّة الخطيرة للانتخابات النيابية القادمة.
تابع الأردنيون الأزمة اللبنانية عن قرب، كما لو كانت شأنا داخليا، وكان لجميع الفرقاء حصّتهم من التعاطف والانحياز، شخصيا كنت منحازا بوضوح إلى "فريق" 14 آذار، وآخرون على العكس، وجادل كلٌّ بأسبابه كثيرا، لكنها انحيازات رأي متعلقة بظرف سياسي محدد، فلا مصالح ولا وصاية ولا نفوذ لأحد هنا على أحد في لبنان، لبنان الذي نحبه بالتنويع والحرية والجمال والإبداع الذي يميزه كله.
الأردنيون، مسؤولين ومواطنين، يكنون مشاعر خاصّة من المودّة تجاه لبنان. واليوم يزورنا الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان. والزيارة ستبحث في تطوير وتعميق العلاقات في كل المجالات. وهي محطّة مهمة في العلاقات العريقة مع الدولة اللبنانية التي تستعيد مجددا استقرارها وسيادتها نرحب بحرارة بضيف الأردن الكبير.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جميل النمري صحافة جريدة الغد