وقتذاك كان التشكيك سيد الموقف. العقبة منطقة اقتصادية خاصة! مصطلح جديد. ومفهوم جديد. وموقف لكثيرين رافض للمفهوم وساخر من إمكانية بث الحياة في عروق المدينة النائمة على ساحل البحر الأحمر.
العقبة كانت تخلفت عن جاراتها البحرية. منشآتها السياحية محدودة وفنادقها في معظمها طاردة ورمقها الاقتصادي الرئيس ميناؤها الذي ينشط ويضعف تجاوباً مع الظروف الإقليمية.
كان ذلك العام 2001.
في العيد السادس لإطلاق منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة يعتمد أصحاب الرؤية ومنفذوها على الأرقام لدحض التشكيك الذي كان.
بلغ حجم الاستثمارات في العقبة، حسب الأرقام الرسمية لمفوضيتها، ثمانية بلايين دولار. الرقم يتجاوز بنسبة 133% الهدف الاستراتيجي الذي كان يطمح إلى جلب استثمارات بقيمة 6 بلايين دولار بحلول العام 2020.
في العقبة اليوم فنادق جديدة ومشاريع سكنية وبنية تحتية جعلت من واقع العقبة قبل سنوات المنطقة الخاصة ماضيا يبدو بعيداً. أسواقها عامرة والمزيد من المشاريع بدأت طريقها إلى التنفيذ.
هل يمكن أن تكون العقبة قصة النجاح التي ترسمها الأرقام؟ ليس بالكامل. لكن المشروع نجح. الرؤية أثبتت نجاعتها. والعمل ثمر منجزات لا يمكن نكرانها.
بيد أن ثمة جوانب لا بد من معالجتها لتكتمل قصة النجاح. الكثيرون من أهل العقبة يحاججون أن القيمة المضافة للمشروع على حياتهم الشخصية أقل بكثير مما توحي أرقام الاستثمارات. وهنالك آراء تقول إن القيمة المضافة للبلد من الاستثمار الأجنبي في المدينة البحرية الوحيدة في المملكة أيضاً أقل مما يجب. ثمة حديث عن عدم انعكاس حجم الاستثمار فرص عمل لمواطنين وعن تسهيلات حكومية مبالغ فيها في أسعار الأراضي وفي تحميل المستثمرين ما يستحق عليهم من كلفة إنشاء البنى التحتية. قد يكون الكثير من هذه الانتقادات مردّه سوء فهم لطبيعة المنطقة الخاصة أو استعجال لنتائج نمو اقتصادي يحتاج وقتاً كي يؤتي ثماره انعكاساً مباشراً على حياة المواطن في العقبة. غير مهم. ثمة مشكلة انطباعات لا بد أن تكثف مفوضية العقبة جهودها للتعامل معها. الحساسية بين الناس والمشاريع الاستثمارية الضخمة موجودة في أي مكان يشق رأس المال الأجنبي طريقه إليه. واقتناع المواطن بجدوى مشاريع اقتصادية غيّرت معالم حياته ومدينته ضروري.
واضح أن القائمين على مشروع العقبة أدركوا ذلك فأطلقوا مشاريع تستهدف ترك آثار إيجابية على حياة أهل المدينة. لكن لا بد من مأسسة هذا التوجه من خلال إيجاد تشريعات تكرّس دور الشركات في تحمّل المسؤولية الاجتماعية وتخصص نسباً من أرباحهم لتطوير المنطقة ومساعدة أهلها.
المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص مفهوم جديد لم يتكرس بعد ثقافة عامة تترجم مساهمات عملية تردم فجوة الثقة بين المواطن ورأس المال. لكن هنالك بوادر إيجابية تحتاج أن تشجع وثمة حقوق للمواطنين يجب أن يضمن القانون تلبيتها.
ولأن منطقة العقبة الاقتصادية مفهوم جديد نجاحه مصلحة للبلد يجب أن يكون الجهد مضاعفاً لتنقية الصورة من أي تشوهات، حتى ولو بسيطة رافقت مسيرتها. تحقيق ذلك لا يبدو عسيراً في ضوء الإنجاز الواضح الذي بات ثمار رؤية العقبة، فالمشروع ثمر مبكراً. وفرص البناء على الإنجاز وتطويره متوفرة إن التفتت آليات تنفيذ رؤية العقبة بشكل ممنهج إلى انطباعات الناس واحتياجاتهم وحقوقهم ليصير المواطن الأكثر حرصاً على حماية قصة نجاح العقبة وتعظيم إنجازها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ايمن الصفدي   جريدة الغد