للمناطق الصناعية المؤهلة أبعاد داخلية وخارجية تستوجب وضع أسس واضحة وفاعلة لإدارتها. ورغم كل المآخذ على صيغة المناطق وأثرها الحقيقي على النمو الاقتصادي، يمكن تطوير هذه الصيغة بما يحقق عوائد أفضل للمملكة.
بلغت صادرات هذه المناطق العام الماضي حوالي 1.18 بليون دولار. القيمة المضافة للاقتصاد الوطني من هذا المبلغ مخيبة. بيد أن إمكانية تعظيمها واردة. وبالتالي فإن الحل ليس في رفض المناطق المؤهلة كما يطلب بعض الاقتصاديين. الحل يكون في إعادة تنظيم العمل فيها بما يؤدي إلى رفع اسهاماتها في الاقتصاد الوطني وزيادة نسبة العمالة الأردنية التي تقدر بحوالي 35% من نسبة العمالة الكلية.
لكن المشكلة الأكبر في هذه المناطق هي ظروف العمل. التقرير الذي أصدرته منظمة أميركية غير ربحية في شهر أيار (مايو) الماضي كشف اعتداءات صارخة على حقوق العمال. وقبل ذلك بأشهر، أشارت "الغد" في قصة إخبارية عن المناطق المؤهلة إلى الظروف القاسية التي يواجهها العمال.
تجاوبت وزارة العمل مع التقرير الأميركي. وأطلقت تحركاً متعدد الجوانب لحماية حقوق العمال ومحاسبة المتغوّلين من أصحاب المصانع. طرأ تحسن ملحوظ على ظروف العمل. لكن بعض المخالفات استمر. وذلك جانب من صورة المناطق المؤهلة صار مدخلاً لانتقاد ظروف العمل في المملكة واللفت إلى عدم احترام حقوق العمال.
الأثر السلبي للأوضاع في المناطق المؤهلة على المملكة كبير لدرجة استدعت عقد جلالة الملك اجتماعاً مع رئيس الوزراء ووزير العمل ووزير العدل ووزير الصناعة والتجارة أول من أمس لبحث القضية. توجهات الملك كانت محددة وتجاوزت مرحلة التشخيص إلى وضع خريطة طريق لتطوير سبل أداء المناطق الصناعية بما يكفل خطوات عملية وتشريعية لحماية حقوق العمال وتحسين إدارة هذه المناطق بشكل عام.
لحماية العمال، طلب الملك من الحكومة "أن يكون مشروع قانون العمل الجديد واضحاً وشفافاً ويعالج جميع القضايا المتصلة بالعمالة الوافدة". وشدد جلالته على أن تتخذ الحكومة إجراءات صارمة بحق المعتدين على حقوق العمال.
ولضمان إيجاد الظروف الكفيلة بإنجاح الاستثمارات في المناطق المؤهلة، وجه جلالته الحكومة أن تسمح للمصانع باستقدام العمالة الوافدة. وطلب جلالته من الحكومة بلورة خطة لتشجيع توظيف الأردنيين في هذه المصانع لإحلالهم تدريجياً محل العمالة الوافدة لزيادة منفعة الأردنيين منها.
ما طلبه الملك هو تحرك في ثلاثة جوانب تعالج في كليتها الاختلالات الهيكلية في المناطق المؤهلة. تحسين ظروف العمل وتلبية احتياجات المستثمرين وزيادة نسبة العمالة الأردنية فيها.
وما رشح عن رؤية وزارة العمل يطمئن إلى أنها تعي حجم المشكلة في المناطق المؤهلة وأهمية التحرك لمعالجتها. الخطوات التي قامت بها منذ صدور التقرير الأميركي مؤشر إيجابي. لكنها ما تزال غير مكتملة. وليس سراً أن ثمة حاجة لمعالجة الصورة التي تكونت في أميركا، سوق منتجات المناطق المؤهلة، للحؤول دون أي تحرك سلبي تجاه الأردن من واشنطن. المطلوب هو الإسراع في تنقية المناطق المؤهلة مما يشوبها من تشوهات أساءت إلى البلد وإلى العمال.
قانون عمل جديد والتزام منهجي ومؤسساتي بحماية حقوق العمال وتطوير البيئة الاستثمارية وتعظيم فائدة الأردن منها هي الحد الأدنى المطلوب لتحقيق الإفادة الفضلى من مبدأ أعطى الأردن رخصة دخول أكبر سوق استهلاكية في العالم من دون قيود جمركية أو كمياتية.
الإهمال وشح التخطيط خفضا فائدة البلد من المناطق المؤهلة إلى أضعف حدود. وجلب التقصير في حماية حقوق العمال نقداً مشروعاً في مناح عديدة. فرصة الاستدراك سانحة. ويبدو أن جهداً حقيقياً تجاه ذلك بدأ.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد