توفر القمة العربية التي ستستضيفها المملكة العربية السعودية بعد أسبوعين فرصة يمكن أن يستدرك فيها الزعماء العرب قصور أدائهم الذي دفعت شعوبهم ثمنه غالياً.
ثمة قضايا إقليمية ساخنة تفرض نفسها على أجندة القمة. الأداء العربي في كل هذه الملفات كان سيئاً. بعض الدول العربية أدرك ذلك فسعى إلى بدء مسيرة تصحيحية لأدائه. لكن بعضاً آخر ما يزال على علاته رافضاً الاعتراف بقصوره أو عاجزاً عن إدراك الحاجة لتغيير سياسات جلبت الويل لشعبه ولجيرانه.
في فلسطين كما في العراق ولبنان تعصف أزمات تهدد بانفجارات كبيرة. غياب موقف عربي منسق، حتى لا نقول موحد، من هذه الأزمات فاقمها.
تخلى العرب عن العراق بعد احتلال أميركا له فبات لإيران مرتعاً وساحة نفوذ توظفها في صراعاتها الدولية. خذل العرب العراقيين وتركوهم لحال الفوضى واليأس والاقتتال التي سلبتهم أمنهم واستقرارهم.
وبعد سنوات من الضياع، أيقن العرب أن الخطر الذي يعصف بالعراق سيطالهم أيضاً إن ظلوا على سباتهم. وبدأت بوادر تحركات عربية فردية أو ثنائية تستهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه. القمة توفر منبراً لصياغة خطة عمل تواجه هذا الخطر وتساعد العراق على الخروج من براثن الاقتتال الداخلي والدمار الذي يعيشه. هل تنجح القمة في تحقيق ذلك؟ لننتظر ونرَ.
وستكون الأزمة اللبنانية حاضرة في نقاشات القمة أيضاً. فكما في العراق، سمح العرب لإيران أن تصبح صاحبة النفوذ الأول في لبنان. أحالت إيران، مباشرة وعبر النظام الحاكم في سورية، لبنان الى ساحة لتحسين شروط تفاوضها مع الولايات المتحدة.
ومرة أخرى لم يتدخل العرب إلا بعدما شعروا بأن في خراب لبنان خراباً لهم. حاول أمين عام الجامعة العربية الإسهام في حل الأزمة فأفشلته إيران وسورية. تدخلت السعودية ولم تجد بُداً من الحديث مع إيران من أجل تهدئة الأوضاع. نجحت المساعي السعودية في تجميد الأزمة. لكن النجاح في استعادة أمن لبنان يتطلب موافقة إيرانية وسورية. الحوار مع إيران مستمر. وكذلك الأزمة في لبنان.
يمكن للقمة أن تدعم الجهد السعودي وتسانده من خلال مواقف حاسمة نحو ما يجري في لبنان. المشكلة هناك واضحة. والحياد تجاه أسبابها غير مقبول. هل تنجح القمة في اتخاذ قرارات عملية لمساعدة لبنان؟ لننتظر ونرَ.
الأوضاع مختلفة قليلاً في فلسطين. فالعرب لا يتحملون مسؤولية فشل العملية السلمية. تلك مسؤولية تتحملها إسرائيل بالكامل. هي التي تحتل وهي التي تحاصر وهي التي ترفض أن تلبي شروط السلام. لكن غياب جهد عربي موحد في التعامل مع القضية المحورية ساعد إسرائيل.
ثمة فرصة لأن ينتزع العرب المبادرة في إحياء عملية السلام. القضية الفلسطينية عادت إلى رأس أولويات المجتمع الدولي. الجهود التي بذلها جلالة الملك عبدالله الثاني، بعد تنسيق مكثف مع السعودية ومصر، أوجدت نافذة لدفع العملية السلمية نحو حل يلبي حقوق الفلسطينيين في الدولة والاستقلال.
هل يبني العرب على هذا الزخم ويخرجون بموقف يسهم عملياً في مساعدة الفلسطينيين؟ لننتظر ونرَ.
القمة العربية مؤسسة فقدت صدقيتها. أداؤها كان دوماً دون التوقعات. أكثرية العرب لا يعولون على قراراتها في شيء. تلك حقيقة يجب أن يتذكرها القادة العرب وهم يلتئمون في الرياض. أمامهم فرصة استعادة بعض من صدقية فقدوها. سبيل ذلك اتخاذ قرارات فاعلة ومؤثرة ومواقف واضحة إزاء فلسطين والعراق ولبنان.
هنالك دول عربية تسعى لذلك. وهذه تدرك دمارية استمرار سيادة الشعارات على الأفعال عليها وعلى شعوبها. لكن ثمة أنظمة لا تعرف إلا أن تتاجر بقضايا العرب من أجل بقائها. القمة ستشهد مواجهة بين دول تريد أن تعمل وأخرى تريد أن تضخ المزيد من الشعارات. تصريحات نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، التي تزايد حيث لا مجال للمزايدة، مؤشر على توجهات الدول الشعاراتية. ومواقف الأردن ومصر والسعودية تعكس طروحات الدول التي تريد العمل. نجاح القمة يعتمد على قدرتها تسييد منطق العمل على انتهازية الشعارات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد