إعلانات سياسية وخطوات دبلوماسية هي كل ما يمكن ان يقوم به العرب، معتدلوهم وممانعوهم.
في مؤتمر الدوحة أعذر مشعل الزعماء الجالسين قبالته قائلا اننا لا نتوقع فتح الجبهات العربية للحرب ونعرف ان ميزان القوى لا يسمح بذلك ولا نريد توريط أحد بل نطلب فقط دعم مقاومة الفلسطينيين. ونحن من جهتنا نتعجب كيف أن ميزان القوى يكون مختلا مع العرب بمجموعهم ولا يكون مختلا مع الفلسطينيين وحدهم! فيكون عليهم، بل على جزء محدود منهم، أي شعب غزّة، أن يتحمل الوزر الخطير للمواجهة العسكرية نيابة عن كل العرب.
نعم هناك بطولات عظيمة إلى جانب التضحيات الجسيمة، لكن النتيجة المتوقعة ستكون في كل الأحوال انعكاسا لتوازن القوّة الملموسة على الأرض، ونحن نتحدث عن معركة محددة بالأيام، وليس عملية تاريخية مفتوحة. هنا مأزق العرب بكل تلاوينهم، إن التغيير في الموازين هو قضيّة حضارية وتاريخية طويلة، وفي الوقت الراهن يستوي الجميع معتدلين ومتشددين في العجز، وغير ذلك يدخل في باب الاستثمار السياسي غير المشروع من جهات على حساب أخرى، وبالأساس على حساب الدم الفلسطيني المسفوح.
اشبعت قمة الدوحة عملية السلام شتما معلنة موتها وتكفينها، وهي تستحق ذلك حقا، لولا ان سورية ستعود غدا، وفي أول فرصة، إلى المفاوضات عبر القناة التركية أو غيرها. وقد طرحت القمّة بعد كل الانشاء الكبير مقترحَين؛ الأول سحب مبادرة السلام العربية، وهو اقتراح مضحك، فالمبادرة مركونة جانبا أصلاً، لأن اسرائيل ترفضها وسحبها لا يضغط على احد، فهناك أطنان من المراجع لعملية السلام المتعثرة ابدا! والاقتراح الثاني قطع العلاقات مع اسرائيل، وقد بادرت قطر وموريتانيا البدء بنفسيهما، الأولى تجمد المكتب التجاري، والثانية العلاقات الدبلوماسية.
الحق أن الأكثر احراجا بما لا يقاس هو قيام بلدين من أميركا اللاتينية البعيدة، مثل بوليفيا وفنزويلا، بقطع العلاقات مع اسرائيل تضامنا مع غزّة. وقد رُفعت صور الزعيمين شافيز وموراليس في المظاهرات في العواصم العربية، أمّا موريتانيا فقد كانت تطوعت مجّانا لاقامة علاقة يرى الانقلابيون الآن الاستفادة من قطعها لاكتساب شرعية محلية وعربية، وقطر كانت تطوعت لفتح مكتب تمثيل تجاري من دون اخواتها الخليجيات، وهي الآن تستطيع فتح الف قناة وقناة من دون حاجة للمكتب، وبحسب وزير خارجية قطر عندما تعذّر أبو مازن عن قمّة الدوحة بصعوبة الحصول على تصريح اسرائيلي فوري للخروج ردّ عليه نحن نتعهد بتحصيله لك!
بأمانة، لا أعتقد أن علاقات الأردن الدبلوماسية هي اداة ضغط جديّة على اسرائيل من جهة بلد كالأردن هو المهدد وليس العكس. ولا أحد يريد ان يصدق أهمية القنوات المفتوحة عبر اسرائيل للأهل في الضفّة وغزّة. وعليه أكاد أقترح أن نشرب حليب السباع مرّة ونقبل في قمّة الكويت مناقشة تلك الخطوة العتيدة التي طلبتها قمّة الدوحة، ولنذهب لبحث استحقاقات الصمود والتصدّي وهي تعني للأردن ونظامه السياسي التزامات عربية كبيرة وكثيرة، وتعني استراتيجية تضامنية صادقة وصارمة لا مكان فيها لتوظيف الأوراق في خدمة أي حسابات غير المصلحة العربية والفلسطينية الصرف. هل يمكن ذلك؟!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جميل النمري  صحافة  جريدة الغد