حرب ليفني وباراك على غزّة لن تنفعهما كثيرا انتخابيا، فقد يجلب بارك لحزبه بضعة مقاعد اضافية، لكن اليمين يتقدم أكثر. حزب العمل التاريخي العريق المؤسس لدولة اسرائيل لن يزيد على مقاعد حزب افيغدور ليبرمان المتطرف والعنصري المهووس الذي جاء من بلده الأصلي مولدافيا الى اسرائيل فقط عام 78 ويعرض فقط طرد الفلسطينيين من وطنهم !
سيتقدم الليكود بزعامة نتنياهو وبرنامجه يخلو صراحة من اقامة دولة فلسطينية ويعرض فقط "تحسين الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين!". ولتهدئة العالم قد يعمل ائتلافا مع حزب العمل لتصفية الحساب نهائيا مع كاديما الذي ولد على حساب نصف الليكود ونصف العمل ويبدو ان تجربته قيد الأفول.
البعض لا يرى مشكلة في وجود اليمين في الحكم استنادا الى فرضية ان الأقوى هو الأقدر على فرض التسوية السلمية ويستشهدون عادة بأن بيغن وليس العمل هو الذي اعاد سيناء لمصر، وهذه نظرية مغلوطة فالضفّة الغربية بالنسبة لليمين هي ارض اسرائيل التي يستحيل التنازل عنها وللاحتفاظ بها تنازل بيغن عن سيناء، وخوفا من التفريط بها اغتالوا رابين وقد كان على حافة الفوز بالانتخابات.
بوجود نتنياهو واليمين في الحكم يمكن القول باي باي لآمال السلام، رغم الفرصة الجديدة التي يتيحها مجيء رئيس أميركي مثل أوباما فمن المشكوك فيه ان يتمكن من الضغط لدرجة فرض الحلّ. فماذا نحن فاعلون؟! هذا هو سؤال المليون!
يمكن ان تكون الاجابة البسيطة وهي: لا شيء غير ما كنّا نفعله دائما، استمرار الدعوة للسلام والتحذير من التدهور والقبول بمساع دبلوماسية ومفاوضات"عبثية" تتجرجر بلا افق! لكن كل عاقل يعرف ان علينا توقع استمرار اليأس والغضب باستمرار الاحتلال الذي تتغذّى عليه موجات التطرف والعنف في المنطقة. ولأن الاعتدال العربي لا يستطيع الدفاع عن سياسة اليد الممدودة عبثا الى الأبد قال الملك عبدلله بن عبدالعزيز في مؤتمر الكويت إن المبادرة العربية وخيار السلام لن يبقيا معروضين الى ما لا نهاية! اذ لا يمكن ان نستمر بلا بدائل، نعرض ضعفنا واستخذاءنا فقط؟
ما البديل والجبهات العربية مكبلة بمعاهدات (مصر والأردن) أو هدنات (سورية، لبنان، غزّة) ولا أحد يريد أن يغامر بفتح للنار في ظلّ الموازين القائمة، ولا حتّى سورية التي لن تطرح اطلاقا هذا الخيار وتفضل فقط ان تطلب من مصر والاردن تجميد العلاقات مع اسرائيل.
يمكن التفكير بالعودة لسياسة المقاطعة، لكن بالنسبة لليمين ونتنياهو فهذه ليست في الحقيقة أداة ضغط يتأثرون بها ولدى الرجل نظرية نقيضة لنظرية بيرس حول الاندماج في السوق الأوسطي فهو يفضل العزلة والبقاء كقلعة غربية مفصولة عن محيطها.
يمكن التفكير بخيارات سياسية هجومية نشطة، مثلا ان يعلن الفلسطينيون دولتهم من جانب واحد، دولة تحت الاحتلال، والحصول على اعتراف العالمين العربي والاسلامي ودول كثيرة اخرى من العالم الثالث، وأكثر من ذلك اعتبار الفلسطينيين في كل مكان رعايا لهذه الدولة يحصلون على جوازات سفرها بعددهم الذي يفوق عدد الاسرائيليين. يمكن التفكير الى جانب هذا بدعم أشكال متنوعة من المقاومة السلمية أو المسلحة لكن وفق توزيع مدروس
للأدوار يحمي مؤسسات الفلسطينيين وحياتهم على ارضهم. يجب التفكير كثيرا في سيناريوهات المرحلة المقبلة وخياراتها الممكنة! فحكومة يمينية في اسرائيل ستحشر خيار السلام وأنصاره في زاوية حرجة ولعينة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جميل النمري  صحافة  جريدة الغد