كم أحبَّ العرب اردوغان، قد لا يغيّر أو يضيف شيئا على الواقع الموقف الذي حصل أول من أمس في دافوس، لكن احيانا وكما يقال "الحياة وقفة عزّ" وقد أثلج الرجل صدر كل عربي وهو يهدر بالتركية عن الإجرام الإسرائيلي ومستكثرا تصفيق البعض لحديث بيريس الذي يبرر قتل الأطفال والنساء، ثم اذ يُقاطع من مدير الجلسة ويُمنع من انهاء كلامه بحجّة نفاد الوقت، يقف ويغادر المنصّة غاضبا ومعلنا انه لن يعود الى دافوس. عافاك ايها الرجل النبيل.
ليس كثيرا لو ان عمرو موسى فعل ذلك مرّة وهو غادر المنصّة فعلا العام الماضي في البتراء، لكن كما شرح ليث شبيلات الأمر بصورة موفقة فهناك فرق بين أن تصعد من التسوية الى الطابق الأول أو تنزل اليه من الطابق العاشر، فتركيا عضو الأطلسي التاريخي كانت على الدوام حليفا ثابتا لاسرائيل. والأمر نفسه ينطبق على دول مثل فنزويلا وبوليفيا اللتين بادرتا لقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل.
أردوغان وشافيز وموراليس هم أبطال العرب الجدد. ليس لديهم مصالح أو ارتباطات محددة تلزمهم بهكذا مواقف سوى مبدأ الانحياز مع الشعوب المستضعفة والمظلومة في وجه الاستعمار والغطرسة والعدوان، انها وقفات عزّ واعتزاز وطني وانساني، وسمعنا شافيز يقول انه يفخر باستقبال دبلوماسيي فنزويلا العائدين من رام الله وقد طردوا على يد المحتلين والعنصريين الصهاينة.
  هذه المواقف المضيئة تأتي وسط بحر من التضليل، فليس هناك أكثر نفاقا ورياء وتدليسا من قبول ادّعاء اسرائيل بأنها تدافع عن نفسها وهو نفس الموقف الذي يداري الاحتلال الاسرائيلي المستمر منذ عقود ويحرم شعبا من وطن ودولة وهوية ويخضعه للحرمان والتعذيب. إنها آفة عصرنا هذه الأزدواجية والنفاق حيث تبقى اسرائيل فوق القانون الدولي، وبدل التعامل معها كدولة مجرمة ومذنبة تستحق النبذ بأكثر مما استحقه نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، يحتفى بها بوصفها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الوسط! وليكن أنها ديمقراطية مع شعبها اليهودي! فهي ايضا دولة عدوان واحتلال واجرام  تحاصر وتجوع شعبا آخر وترتكب الفظائع وتقتل الأطفال والنساء. وفي أقصى الحالات حين يستحي ضمير البعض في الغرب  ينتقدون الرد غير المتوازن والاستخدام المفرط للقوّة!
وقد روّج الغرب لمقولة أن تعزيز قوّة اسرائيل وشعورها بالأمان يقوّي استعدادها لتقديم تنازلات، وها قد ثبت أن قوّة اسرائيل المتعاظمة والإغراءات التي تقدم لها تزيدها تعنتا وعنجهية، ونرى شعبها ينحاز يمينا وتتضاءل قوى السلام، ويختار ناخبوها النسخة الأصيلة من التطرف والعنصرية. حان الوقت للعالم أن يتعامل مع اسرائيل بطريقة مختلفة وهي تتجه لانتخاب قيادة أكثر اجراما وتطرفا، فمحاسبتها بحزم على الجرائم وحظر تزويدها بالسلاح واتخاذ اجراءات عقابية هو ما يردّ الاسرائيليين الى رشدهم، أمّا عن العرب وما سيفعلون فلهذا حديث آخر.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جميل النمري  صحافة  جريدة الغد