لا يعترف حزب الله بالدولة اللبنانية. يرى في ضعفها مبرراً لإقامة دولة داخلها. يعلن أمينه العام السيد حسن نصرالله صراحة استقلالية قراره عنها.
منطق حزب الله مغلوط. فيه من التناقض ما ينسف تأكيداته التمسك بتحرير لبنان من التمزق والانقسام الذي يعيش. يستنتج الحزب أن الدولة اللبنانية ضعيفة. لكنه لا يشخص أسباب الضعف. وهذا قرار يلتزمه الحزب بوعي. فتشخيص أسباب الضعف يفرض خطوات لمعالجتها. الا أن العلاج سيؤدي إلى فرض تغيرات جذرية على سياسات الحزب وتحالفاته الخارجية. وتلك تغييرات لا يريد الحزب إجراءها.
الدولة اللبنانية ضعيفة لأنها ساحة لصراعات الآخرين. الوصاية السورية على لبنان مزقته. التمدد الإيراني في لبنان خلق ولاءات خارج حدود الوطن وفرض استجابة لأولويات تتناقض مع مصالح لبنان. والدولة اللبنانية ضعيفة أيضا لأن اسرائيل تستهدفها بالعدوان والتدمير. ولأن لبنان لم يستطع وضع استراتيجية وطنية لمواجهة العدو الاسرائيلي.
لكن حزب الله لا يستطيع أن يعترف بالأسباب الحقيقية لضعف الدولة اللبنانية. فهو أحد أسباب ضعفها. تقوية الدولة اللبنانية تتطلب وقفاً للتدخل السوري فيها. واستعادة لبنان سيادته تستدعي حصر تعامل إيران مع لبنان في قنوات الدولة الرسمية. تعامل الند للند. لا تعامل المستقوي الذي يقوي فريقا على آخر. ويستعمل فريقاً لخدمته في أرض لا يهمه أمنها واستقرارها.
بيد أن حزب الله يحول دون تحقيق هذه الشروط. هو حليف عقائدي وسياسي وعسكري لإيران. ارتباطه بطهران عضوي. المال الإيراني يأتي إلى حزب الله مباشرة. والسياسات الإيرانية تنعكس فوراً على الوضع في لبنان. تصعيد حين تقرر طهران. وتهدئة حين يخدم ذلك مصلحتها.
تجاهل إيران لمؤسسات الدولة اللبنانية من خلال دعم حزب الله من دون اعتبار أعراف تعامل الدول مع بعضها بعضا يؤكد عدم اعتراف إيران بالدولة اللبنانية. ويضعفها.
وحزب الله يحتكر الوطنية. يعتبر كل من لا ينسجم مع سياساته عدواً او خائناً او متواطئاً. أعطى حزب الله نفسه حق اتخاذ القرار عن كل اللبنانيين. القوى التي يُخَوّنها حزب الله الآن حاربت إسرائيل قبل أن يتكون. هي التي وقفت ضد إسرائيل حين احتلت بيروت العام 1982 . وليس في لبنان فريق سياسي يقول بغير العداء لإسرائيل. لكن إدارة المعركة معها حق لمؤسسات الدولة اللبنانية التي يتمثل فيها حزب الله. احتكار إدارة هذه المعركة تجاوز على حقوق اللبنانيين، وتهميش لدور شركاء حزب الله في الوطن اللبناني. وهذا أيضا يضعف الدولة اللبنانية.
ثم إن منطق حزب الله القائل بحقه في إقامة دولته داخل الدولة اللبنانية باب لتمزيق لبنان. فالذي يبرر لحزب الله إقامة دولته المستقلة داخل الوطن اللبناني يتيح لبقية القوى اللبنانية الحق ذاته. وهذا طريق لدمار لبنان. ذلك أنه يعني انقسامه إلى دول طوائف متقاتلة، وتراجع الهوية اللبنانية الجامعة لصالح الهويات المذهبية الضيقة.
مكمن المأزق السياسي والوطني لحزب الله في أنه يريد أن يبرر لنفسه ما ينكره على غيره. وهو أيضا في محاولة اختزال حزب الله المشهد اللبناني في مقاومة إسرائيل. وهذا تسطيح للصورة اللبنانية لا يبني الدولة القوية القادرة على حماية لبنان.
وضع حزب الله نفسه في مأزق إذ يحاول أن يحاصر المشهد اللبناني في محدودية برنامجه المحكوم بعقائدية وتحالفات لا تتفق مع مواقف نصف اللبنانيين على الأقل. وكلما توسع حزب الله في محاولة فرض برنامجه على مناحي الحياة اللبنانية، بان ضعف منطقه وافتقاده لرؤية سياسية قادرة على الإسهام في إنهاء حال ضعف الدولة اللبنانية.
والا فكيف يمكن تفسير وقوع أمين عام الحزب في ورطة تبرير تقسيم لبنان إلى دويلات. ضعف الدولة يجب أن يدفع باتجاه معالجته من خلال بناء توافق وطني يقدّم مصلحة لبنان على كل ما سواها، لا بإضعاف الدولة أكثر من خلال تفتيتها. ذلك، بالطبع، اذا كان مفهوم الوطنية هو خدمة الوطن والمواطنين، لا خدمة الحلفاء خارج حدوده.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ايمن الصفدي   جريدة الغد