كأن الزمن جامد لا يتحرك. كأن التجارب لغز لا تفك رموزه. كأن منظري الإصلاح السياسي في البلد يقرأون من ورقة بيضاء. لا اعتبار من خطأ. لا اتعاظ من خطيئة. لا ثبات في رؤية. ولا استمرارية في برنامج.
لذلك تظل صورة الإصلاح السياسي قاتمة. كلام كثير. فعل قليل. لجان وهيئات تعيد صناعة العجلة كلما التأمت تحت عنوان بث الحياة في طروحات الإصلاح.
الحاضر هو التنظير. الغائب هو العمل. وهذا غياب مرده عدم التزام الرؤية، وتذبذب الإرادة. مبررات التعثر تنهل من بحر من الحجج الهشة. أما إرادة ترجمة شعارات الإصلاح فعلا يعيش البلد نتائجه فتتأرجح كمثل غصن يانع ينحني أمام كل هبة ريح. ستجرى الانتخابات في نهاية العام الحالي، بعد أكثر من أربع سنوات على الانتخابات السابقة. لكن لا شيء يوحي بأن شيئا تغير منذ انتخب الأردنيون مجلسهم النيابي الحالي. السجال السياسي هو ذاته الذي دار وقتذاك. المعضلات هي هي. والشعارات على حالها. وإمكانية إنتاج مجلس نيابي قادر على رفد عملية إصلاح، سيدفع البلد غالياً ثمن تعثرها، ضئيلة.
قانون الانتخاب الحالي دفع إلى المجلس نوابا لا ينتمون إلى أي أطر تنظيمية هي شرط إنضاج العمل السياسي في البلد. أداء البرلمان كان مخيبا. وذلك لم يكن مفاجئاً. فلا يمكن أن يكون الأداء البرلماني ناضجاً إلا إذا ارتكز إلى أطر إسناد مؤسساتية. وهذا لا يملكه النواب، الذين فاز معظمهم بدعم عشائري أو عائلاتي.
كل السجالات التي دارت قبل الانتخابات حذرت من أن تشوه قانون الانتخاب سيظهر في أداء المجلس. بيد أن أحداً لم يلتفت إلى تلك التحذيرات، التي أثبتت التجربة صحتها.
وها هي الحكومة تتذمر علناً من أداء النواب. لكن الواضح أنها كانت في معظم الأحيان مرتاحة لعدم نضوج الأداء النيابي. بقيت السلطة الأقوى. وظل مجلس النواب أضعف من أن يمارس الدور الرقابي التشريعي الذي حدده الدستور تحصيناً للبلد من انفراد أي من السلطات بالقرار.
تقف الحكومة الآن أمام اختبار نيّات. إن فشلت فيه فقد الطرح الإصلاحي ما بقي من صدقية خسر معظمها. وإن نجحت أعادت للعملية الإصلاحية بريقها، وأسهمت في وضع البلد على طريق يقود كل ما سواها إلى قيعان أعمق من الفشل.
تغيير قانون الانتخاب ركيزة أي إصلاح حقيقي. وفرصة إحداث هذا التغيير متاحة، رغم التأخير غير المبرر في تعديل القانون. إجراء الانتخابات وفق القانون الحالي سيؤدي إلى انتخاب مجلس لن يكون أفضل من المجلس الحالي. سيظل مجلس النواب حكراً لأفراد وحزب واحد. وتلك تركيبة لا تحقق إصلاحا ولا تقود إلى دمقرطة.
أضاع البلد أربع سنوات كان يمكن خلالها التدرج في عملية إصلاحية حقيقية. لكن الثابت أن لا إصلاح تشريعيا جادا تحقق. مشروع قانون المطبوعات والنشر يظل عائقا أمام العمل الصحافي المهني الحر المستقل. ومشروع قانون الأحزاب خرج مشوها. ومشروع قانون حق الحصول على المعلومة لم ينجز بعد. وقانون الاجتماعات العامة سيئ الصيت يظل إرثاً عرفياً ينتهك حقوق المواطنين الدستورية.
مجلس النوّاب هو الذي أقر كل هذه القوانين المتخلفة. لكن لا عجب في ذلك. طبيعي أن تقف أكثرية النواب ضد إصلاح سيضر بمصالحها. ذلك أن التقدم نحو الديمقراطية يضعف فرص معظم النواب في العودة إلى قبة البرلمان. ولن ينحاز المجلس القادم إلى الإصلاح والدمقرطة إلا إذا انتخب على أساس قانون جديد يشجع التكتلات الحزبية. لذلك لا بد من تعديل قانون الانتخاب. بغير ذلك، ستعيش المملكة أربع سنوات أخرى تظل مسيرة الإصلاح خلالها "مكانك سر".

المراجع

الغد

التصانيف

صحافة  ايمن الصفدي   جريدة الغد