أعاد انقلاب حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية في غزة الى طرح حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال ترحيل أزمة احتلال الأراضي الفلسطينية إلى الأردن بريقاً كان خبا طرحاً لا منطقياً ومرفوضاً أردنياً وفلسطينياً في آن.
فما أن أعلنت حماس سيطرتها على قطاع غزة حتى خرجت أصوات إسرائيلية تنادي بإلحاق الضفة الغربية إلى الأردن ووضع غزة تحت الإدارة المصرية. واستمد هذا الطرح حياة جديدة في الخطاب السياسي الإسرائيلي انطلاقاً من نظرية أن انقسام القيادة الفلسطينية والفوضى التي آلت إليها غزة دليل على استحالة الوثوق بدولة فلسطينية على حدود إسرائيل.
وجد إسرائيليون في انقسام الأراضي الفلسطينية إلى ما وصفته صحيفة إسرائيلية بـ "حماس ستان" دينية في غزة و"فتح لاند" علمانية في الضفة فرصة لمحاولة دفن قيام الدولة الفلسطينية سبيلاً أوحد لحل الصراع وباتوا يروجون لنجاعة العودة إلى صيغة ما قبل عام 1967.
طبيعي أن تضغط إسرائيل باتجاه إقامة كونفدرالية أردنية فلسطينية. فالدولة الصهيونية تدرك أنها لا تستطيع، على المدى البعيد، إدامة احتلالها للأراضي الفلسطينية. لكنها ترفض، لأسباب استراتيجية وأمنية، قيام دولة فلسطينية. إلحاق الضفة بالأردن، وترك غزة لحالها أو إتباعها لمصر، يخرج إسرائيل من مأزقها التاريخي بأقل الخسائر. الأمن سيصير مسؤولية أردنية. والعدو، بالنسبة للفلسطينيين المتمسكين بحقهم في الدولة، سيصبح الأردن. تحل إسرائيل مشكلتها. وتبدأ مشكلة الأردن.
ثمة دواع حقيقية لأخذ التحرك الإسرائيلي إحياء مسألة الكونفدرالية مع الأردن بجدية ووضع الاستراتيجيات الكفيلة بإحباطه. فهذا الطرح ليس موقفا سياسيا فقط. بل هو إجراءات عملية تقوم بها إسرائيل لجعل إقامة الدولة الفلسطينية هدفاً مستحيلاً، اقتصادياً وجغرافياً، ولتكريس خيار الكونفدرالية أمراً واقعاً لا مهرب منه.
ولا شك أن إسرائيل تستفيد، وهي تحاول إعادة إحياء خيار الكونفدرالية مع الأردن، من مشاعر الإحباط التي عمت الضفة الغربية بعد كارثة غزة. أعداد ليست قليلة من الفلسطينيين، مدفوعة باليأس الذي أسهمت إسرائيل بقوة في نشره، أخذت تتطلع إلى الأردن سبيلاً للخروج من الراهن القاسي ومدخلاً لمستقبل ينعم الفلسطينيون فيه بالأمن والاستقرار والحياة الكريمة.
لكن تلك حال ظرفية. إقامة الدولة المستقلة حق لا يتنازل عنه الفلسطينيون. الالتفاف على هذا الحق من خلال صيغة الكونفدرالية مع الأردن سيكون مكسبا لإسرائيل وخسارة للأردن وفلسطين.
موقف الأردن من موضوع الكونفدرالية مع الضفة الغربية صريح وواضح. لا حديث عن العلاقة المستقبلية مع الشعب الفلسطيني قبل حصوله على حقه في الدولة المستقلة على ترابه الوطني. وإقامة هذه الدولة ليست حقاً فلسطينياً فقط. هي مصلحة أردنية أيضاً.
ولا يتوقعنّ عاقل من الأردن أن يقبل القيام بدور الشرطي لصالح إسرائيل. الأردن يعرف أن قبوله الكونفدرالية بديلاً للدولة الفلسطينية سيضعه في مواجهة مع الشعب الفلسطيني. والنتيجة الحتمية لذلك تحديات أمنية الأردن بغنى عنها ومتاهات سياسية لا تخدم الأردن ولا تنفع فلسطين.
يحتاج الأردن والقيادة الفلسطينية أن يتحركا بفاعلية لإيضاح دمارية التفكير بأي حل سوى إقامة الدولة الفلسطينية منطلقاً لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. ولا بد من التحوط لمواجهة أي خطوات ستقوم بها إسرائيل، أو ستنتج عن الحال اللاطبيعية التي تكونت في غزة، تمهد، أو ستؤدي إلى، إعادة الاعتبار لموضوع الكونفدرالية خياراً قابلاً للتطبيق.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد