لم تردّ ايران على التحية بأحسن منها أو على الأقلّ بمثلها؟ هذا في العلن أمّا تحت الطاولة فسوف تكون ايران متلهفة لمقايضات ثنائية وباطنية لكن على مدى ماراثوني تتجلى فيه كل البراعة أو قل البراغماتية الإيرانية في ادارة لعبة المصالح والنفوذ.
لماذا كانت لهجة خامنئي شديدة البرود والحذر والتعالي تجاه رسالة أوباما للشعب والقيادة الإيرانية بمناسبة عيد النيروز؟ أولا ليس للقيادة الإيرانية من مصلحة فورية في اشاعة مناخات ايجابية وودّية مع الادارة الأميركية الآن فهي قبل ذلك بمسافة طويلة تريد أن ترى ما هي الخطوات العملية التي ستتخذها الادارة ابتداء بالتراجع عن العقوبات المفروضة على طهران بل طيّ ملف التهديد بالعقوبات من الأساس والاعتراف بالنظام الإيراني وقبوله كما هو قبل أن نصل بالنتيجة الى تفهم وقبول وضع ايران كقوّة اقليمية نافذة وما لها من مصالح وبما يترتب على ذلك في العلاقات بين الدولتين. ولا نسقط من الحساب اعتبارا اساسيا هو الصراع الداخلي بين تياري الاعتدال والتشدد. فإيران على ابواب انتخابات والتعبئة في مواجهة الشيطان الأكبر والأعداء الخارجيين عموما هي بضاعة تيار التشدد الذي يمثله المرشد العام للجمهورية خامنئي والرئيس أحمدي نجاد في مواجهة تيارالاعتدال الذي يستفيد من مناخ الانفراج وتراجع التهديدات الخارجية، بل ان تجسير وتطبيع العلاقة مع الولايات المتحدة يحرج التيار المتشدد ويفقده أهمّ اسلحته. وعليه ما كانت القيادة الإيرانية مستعدّة لتسليف أوباما لغة النوايا الطيبة.
قرأت وسمعت تعليقات تتفهم الردّ الإيراني، لكن لو نظرنا للأمر من زاوية السياسة والعلاقات الدولية والمصلحة العامّة في تجاوز آثار الحقبة المشؤومة للمحافظين الجدد فقد كان جديرا تشجيع الخطاب الجديد الذي يمثله أوباما وإعانته في مواجهة المعارضة الداخلية، فلدى اوباما ايضا صعوباته ومشاكله اذ لا يستطيع ان يظهر وكأنه يحني ظهر الولايات المتحدة ويضعفها ويذلّها. لا يجب ان يظهر وكأن خصوم الأمس لا يستحقون التنازل ويقرأونه كمؤشر ضعف يغري بالتمادي والتطاول. وبالتأكيد فالخطاب الجديد يحتاج الى نجاحات معينة لكي يمضي اشواطا الى الأمام.
لكن هل هناك بالفعل سياسة جديدة ؟ طبعا، خطاب أوباما ليس انشاء فقط وقد لحق الخطاب تصريحات من الادارة بأن هناك خطوات لاحقة لن يفصح عنها الآن، ومن المؤكد أن الإدارة التي تنوي الانسحاب من العراق وتحتاج بشدّة الى تعاون ايران في افعانستان مستعدة للتراجع عن العقوبات القائمة الآن على ايران لكن مقابل خطوات ايرانية تضمن عدم التقدم باتجاه صنع سلاح نووي.
وهذه واحدة من ألغاز النظام الإيراني! هل تطمع القيادة الايرانية فعلا بصنع قنبلة نووية؟ ربما تحتاج ايران القنبلة النووية اذا فكرت ذات يوم مثلا باحتلال البحرين ولا تريد ان يحصل معها ما حصل مع صدّام حسين عندما احتلّ الكويت، لكن هذا موضوع يحتاج الى بحث مستقلّ، ولنعتمد الان الموقف الإيراني الرسمي المعلن أنها لا تنوي تطوير سلاح نووي بل فقط استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية! في هذه الحالة لن يكون صعبا ايجاد الترتيبات الفنّية التي تسمح بذلك وفتح المجال لحقبة جديدة في المنطقة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جميل النمري صحافة جريدة الغد