من جملة الآراء والردود التي جاءتني تعقيبا على مقالي المُرحّب بفوز محمد مرسي برئاسة مصر «رئيس من جماعة محظورة» سأتوقف مع إيميل بعث به محمد أبو صليح، شكل نوعا من «الفرملة» لعواطفنا المتدفقة فرحا بما أنجزته مصر...

يبدأ محمد رسالته هكذا: لن أقول مبروك لأنني خائف جدا من المجهول، أعتقد (أن ما حصل) ضربة للإخوان لن يقوموا بعدها (هكذا) أنا خائف جدا من المستقبل ومتشائم لأنني أشعر أنه «طـُعم» وقع فيه الإخوان وفخ سقطوا فيه ولن يخرجوا منه إلا وهم راجعون للخلف عشرات السنين، هذا هو الهاجس الذي يراودني وأتمنى أن يكون شعوري خاطئا.

مشاعر محمد لها ما يبررها طبعا، والسبب، كما يقول، أن المشاكل والمنغصات ستتكالب على الرئيس من كل جانب، فهؤلاء شعب يتكون من 90 مليونا، ومن السهل جدا أن يخرج منهم مليون للشارع ليقولوا لا لمرسي ولا للإخوان حتى لو كان ال 89 مليونا معه، فالمشاهد والمواطن يصدق ويشعر أن كل الشعب ضده وعندها سيحترق الأخوان، ولو حصلت اي مشكلة بسيطة مثل حادث سيارة أو قطار ومات فيه الكثير سيحملون مرسي والأخوان السبب، وكذا لو هُزم منتخب لكرة القدم أو نزلت البورصة فمرسي والإخوان السبب وطبعا المجلس العسكري سيغتنم الفرصة وسيقول للإخوان ومرسي خربتم البلد، شوفوا الملايين في الشوارع ضدكم، وهم بالحقيقة آلاف ماجورون لتشويه صورة الاخوان، فالعسكري بكل بساطة كما فعل في البرلمان، يستطيع بالقانون وبمداخل قانونية إزاحة مرسي عن الرئاسة وحل الاخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ووضع الاخوان في السجون، الأخ محمد يختم السناريو المفترض بتكرار مخاوفه: بصراحة أنا خائف من المستقبل، العسكري والعالم لن يسلموا مصر بسهولة للإخوان، أتمنى أن تكون مجرد هواجس وشكوك وظنون وأتمنى أن ينجح في مهمته، لن نقول لبعض «مبروك» ولكن يجب أن ندعو الله لهم بالتثبيت وأن يعينهم على هذه المسؤولية الصعبة التي تحملوها في هذا الوقت العصيب.

جميل ما قال محمد، ولكن الأجمل منه، أن نعي أن أحدا لن يعطيك بلدك على طبق من فضة، بعد أن رهنوه لسنوات سحيقة، ولو انتظرنا مائة عام أخرى، لما هيأوا الظروف لإعادة بنائه، وربما ردت صحيفة الإندبندنت على مخاوف محمد وكثيرين غيره، حينما قالت في افتتاحيتها أخيرا، إنه رغم كل الإشكالات التي شهدتها مصر الأسبوعين الماضيين، من حل البرلمان وتوسيع المجلس العسكرى لصلاحياته والشائعات التي ترددت حول صحة مبارك، فإن لا شيء ينتقص من حجم الإنجاز الذي تحقق، فإجراء انتخابات حرة ونزيهة هو لحظة فارقة ليس فقط لمصر ولكن للربيع العربي والعالم من خارجه، ذلك أن ما تحقق لم يكن غير بداية الطريق الطويل، وبلا بداية لن يكون ثمة إنجاز..

إننا نفهم أن هناك تنازعا عميقا في قيادة مصر، وثمة صراع يريد أن يأخذ البلاد باتجاه أحد نموذجين: الأول النموذج الباكستاني حيث يحكم العسكر قبضتهم على مقاليد الأمور تاركين للساسة هامشا صغيرا للعب، والثاني هو نموذج تركيا، حيث استطاع الساسة ترويض العسكر وتحجيمهم، ومن ثم البدء بمحاسبتهم على ما اقترفوا بحق الشعب والبلد، وقد استغرقت عملية «إنجاز» كلا الشكلين سنوات طويلة، وأعتقد أن مصر بقيادة الإخوان وقوى الثورة والأطر الوطنية، ستنحت نموذجها المصري المستفيد من كلا التجربتين، وهذا ليس حدسا مبهما بقدر ما هو قراءة استبطانية للحدث، ويكفي هنا أن نسوق نموذج «حماس» للتدليل على صحة ما نقول، فبعد فوز الحركة تكالبت الدنيا عليها، وتعرضت لحملة تهشيم ممنهجة، وحصار طويل الأمد، وحرب استئصالية، ووقفت الأطراف كلها ضدها، حتى ممن يقال أنهم ابناء جلدتها، ومع ذلك لم تتبخر حماس كما كان مؤملا، وها هي باقية وربما تزداد قوة.

أشارك محمد مخاوفه لا تشاؤمه، ولكن أنى للبلاد أن تتحرر من الفساد والارتهان للخارج، إن لم يخض الوطنيون غمار التجربة، مغالبة أو مشاركة؟ الأمر يستحق العناء.


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة  حلمي الأسمر   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية