يستمر الهجوم في أوساط النخب على الصوت الواحد وتحميله المسؤولية عن كل الشرور التي تخطر بالبال. ومشكلة هذا الخطاب أنه يتحدث عن "نظام الصوت الواحد"، وهو يقصد النظام الانتخابي الحالي في الأردن مع أن الصوت الواحد هو مبدأ يدخل في عدد واسع من الأنظمة الانتخابية أو أنه واحد من مجموعة مكونات تشكل نظاما انتخابيا معينا والنظام الساري المفعول في الأردن هو أحد تنويعاتها فقط.
امس أعلنت نتائج استطلاع جديد نفذه مركز القدس للدراسات على عينة وطنية أيّد منها الصوت الواحد 56,6%، وهذا المركز ليس متهما هذا الأيام بتنفيذ رغبات حكومية لكن نتيجته تنسجم مع عدّة استطلاعات أجرتها عدّة مراكز وخرجت دائما بحصول الصوت الواحد على اغلبية، أمّا المنتقدون فلم يقدموا مرّة واحدة رقما يدعم وجه نظرهم التي تشكك عادة بهذه الاستطلاعات.
إذن حان الوقت للكف عن مهاجمة الصوت الواحد بوصفه صيغة مرفوضة، لكن مفروضة على الشعب الأردني. وصحيح أن المواطن ليس خبيرا بالأنظمة الانتخابية وربما لو جرّب نظاما آخر لأعجبه. ومن المشروع طبعا تقديم وجهة نظر وبدائل أخرى لكن أيا منها ليس أكثر مشروعية على الإطلاق من الصوت الواحد. والأمر الثاني أن الوقت حان لوقف الخلط بين الصوت الواحد كمبدأ وآلية النظام الانتخابي القائم حاليا في الأردن، فكما قلنا هناك عدّة آليات لتطبيق الصوت الواحد بما في ذلك انتخاب القائمة المغلقة بنظام التمثيل النسبي فقيمة الصوت واحدة أكان عدد أعضاء القائمة واحدا أو مائة.
بل يمكن عمل النظام المختلط الذي يجمع بين التمثيل الفردي للدوائر والتمثيل النسبي الوطني بالصوت الواحد ايضا، وهو ما لم تنتبه له لجنة الأجندة الوطنية في حينه فأقرت نظاما مختلطا على الصيغة التالية؛ صوت للقائمة الوطنية وصوت أو أكثر للدائرة بعدد مقاعدها. وقد نبّه بعض أعضاء اللجنة بقوّة الى خطورة الاقتراح وشرحوا نظاما مختلطا بالصوت الواحد، لكن بعض جهابذة اللجنة لم يفهموا أو لم يتفهموا مكتفين بما حباهم الله من سعة إدراك وفطنة، وجاءت نتائج الانتخابات في فلسطين بنظام شبيه لتعطي حماس مقاعد تزيد كثيرا على حصّتها من الأصوات فأصبحت هذه التجربة حجّة على من يطالب بتغيير النظام الانتخابي عندنا. 
ومن النتائج اللافتة الأخرى في الاستطلاع أنّ هناك درجة الشعور بالغبن في توزيع المقاعد على الدوائر الانتخابية، فقد جاء الشمال بالمقدمة حيث وصف 49% التوزيع بأنه غير عادل، بينما جاءت نتيجة الوسط والجنوب متقاربة 38,3% و 36,8% وهذا الفارق البسيط (1,5%) بين محافظات الجنوب والوسط يمثل نتيجة مذهلة، اذ أن ما تتحدث به النخب من فوارق هائلة في توزيع المقاعد يفترض أنها السبب في تدني نسب المشاركة في الانتخابات في دوائر مثل عمان والزرقاء لا يعكس مشاعر الناس ولا يشكل خلفية لموقفها من الانتخابات.
أخيرا، فإن الجمهور اظهر موقفا ايجابيا ناضجا من الكوتات أكثر مما تفعل النخب، فقد أيّد ثلاثة ارباع المواطنين الكوتا النسائية وأيّدت اغلبية (بنسبة عالية ومتوسطة) الكوتا المسيحية والشيشانية والبدوية، كما أيّدت أغلبية تصويت العسكر والمواطنين خارج المملكة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جميل النمري  صحافة  جريدة الغد