تتصدر الصفحة الأولى لـ"الغد" اليوم صورة لإشارة ضوئية في إحدى ضواحي عمان وقد غُطيت بإعلان لأحد مرشحي الانتخابات البلدية القادمة. تختصر هذه الصورة مشهداً قاتماً لمفهوم الخدمة العامة في البلد وتعكس ركاكة الأسس التي يبني عليها كثير من المواطنين قرارهم الانتخابي.
العمل البلدي في أساسه خدمة مدنية. كيف يتوقع مرشح يلحق ضرراً بالمرافق العامة ويعطل إشارة ضوئية وضعت أساساً لخدمة الناس أن يحصل على دعم ناخب لطموحه شغل موقع عام الهدف المفترض منه خدمة المواطن وتحسين الخدمات العامة له؟
أجريت الانتخابات البلدية لأول مرة في الأردن في العام 1925. وقتذاك نص قانون الانتخاب على ضرورة أن يكون المرشح ملماً بعدد من القضايا بينها الهندسة المعمارية.
مرت ثمانية عقود مذ ذاك ولم يعد قانون البلديات ينص على أي مواصفات للمرشح. وهذا تطور إيجابي من الناحية التشريعية. فتحديد مواصفات للمواطنين الذين ينافسون على الموقع العام، مثل الحصول على شهادة جامعية، يمكن أن يحرم شرائح واسعة حقها في الخدمة العامة.
لكن الجانب السلبي أن التطور التشريعي لم يواكبه تطور في الثقافة المدنية، بحيث يكون الناخب هو من يحدد مواصفات من يستحقون حمل المسؤولية العامة.
يحق لأي كان أن ينافس على أي موقع عام. لكن منظومة المجتمع القيمية وثقافته العامة يجب ألاّ تتيحا فرصة الخدمة العامة إلا لمن يمتلك المؤهلات التي تضمن قدرته على الإسهام إيجاباً في خدمة المجتمع.
هذا يعني أن الصوت لا يُمنح على أسس القرابة. الصوت يذهب لمن يستحقه. لكن ما لا جدل فيه أن المجتمع لم يحقق هذه الدرجة من النضوج الثقافي. ظلت اعتبارات المناطقية والقربى المعيار الذي يطلب على أساسه المرشحون أصوات الناخبين ويحصلون عليها. والنتيجة تدنٍ في مستوى المجالس المنتخبة ينعكس سلباً على مسيرة البلد التنموية سياسياً واقتصادياً وخدماتياً.
في الانتخابات البلدية كما النيابية، ما تزال الأصوات تمنح للأسباب الخاطئة. ولا جدل أن في قانون الانتخاب ثغرات ومعيقات تحول دون تطور العمل السياسي البرامجي القادر على إنتاج قيادات مجتمعية كفوءة. لكن تركيبة المجالس النيابية أو البلدية تعكس بالنهاية خيارات الناخبين. والمواطنون قادرون على إحداث تحسن نوعي في مستوى المجالس المنتخبة إن حسّنوا المعايير التي يمنحون أصواتهم على أساسها.
أن يعتقد مرشح أنه قادر على الفوز في انتخابات بلدية وفي حملته الانتخابية اعتداء على الخدمات التي يشكل تحسينها صلب العمل البلدي مهزلة تستحق التوقف عندها مطولاً. ذلك أنها تختزل، إلى حد بعيد، الأزمة القيمية الثقافية التي تشكل عائقاً أمام تجذر الديمقراطية والتقدم نحو تلبية شروط الدولة الحديثة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  ايمن الصفدي   جريدة الغد