في تغير جذري في موقفها، تريد الولايات المتحدة الآن دوراً "موسعا" للأمم المتحدة في العراق. هذا القرار الأميركي، الذي يتناقض بشكل كامل مع موقف الإدارة الاميركية السابق، يقدم مؤشراً آخر على أن واشنطن بدأت تعترف بفشلها في العراق.
كانت الولايات المتحدة المعارض الأكبر لدور سياسي لبعثة الأمم المتحدة في العراق. لكنها فجأة تكتشف جدوى إشراك المنظمة الدولية في جهود انقاذ العراق من الفوضى التي أغرقته فيها؟ لا.
قرار واشنطن ليس وليد لحظته. هو حتمية تأخرت الولايات المتحدة في الاعتراف بها. ولم يدفعها الى ذلك الا استمرار فشل سياساتها وتعاظم انعكاسات هذا الفشل على سمعة الرئيس جورج بوش في أميركا وعلى مستقبل الحزب الجمهوري الحاكم.
لم يكن هنالك حاجة لعبقرية سياسية لإدراك أنه كان بإمكان الأمم المتحدة، التي عارضت قرار واشنطن الأحادي غزو العراق، أن تقوم بدور إيجابي في جهود إعادة بناء الدولة العراقية التي دمرتها الحرب. لكن تعجرف بوش وفوقية أركان إدارته حالت سابقاً دون السماح للأمم المتحدة بلعب دور في جهود المصالحة الوطنية العراقية. ذلك أن نيران الفوضى العراقية لم تطل واشنطن في السنوات الماضية. أما الآن وقد أصبحت الأوضاع في العراق تهدد فرص الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية القادمة، تخلّت إدارة بوش عن عنجهيتها وبدأت تبحث عن أي وسيلة يمكن ان تخرجها من المستنقع الذي أغرقت نفسها فيه.
عَمِلْتُ مع بعثة الأمم المتحدة في العراق. وعشت الإحباطات التي تعيشها البعثة بسبب تغييب دورها ومحدودية الولاية التي منحها إياها مجلس الأمن الدولي. فقد نجحت واشنطن في أن تجعل من وجود بعثة الأمم المتحدة في العراق أمراً رمزياً. كل ما أرادته واشنطن هو أن ترفع الأمم المتحدة علمها في بغداد لشرعنة الاحتلال.
والنتيجة الحتمية للقيود التي وضعها مجلس الأمن، بقرار أميركي، على بعثة الأمم المتحدة هو فشل مخجل. ولوم ذلك لا يقع على البعثة أو على الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق السفير الباكستاني المخضرم أشرف قاضي. اللوم يقع على من منع البعثة ورئيسها من القيام بأي دور فاعل وقزّم دورها الى مساعدات إنسانية لم تتمكن البعثة أحياناً كثيرة من إيصالها بسبب الأوضاع الأمنية.
متأخراً جداً جاء الاعتراف الأميركي بأهمية دور المنظمة الدولية في العراق. مر وقت كان بإمكان المنظمة أن تسهم في إعادة بناء النظام السياسي العراقي وجلب الأمن والاستقرار للبلد. فموقف الأمم المتحدة الرافض للحرب، إضافة الى رغبة الكثير من التيارات السياسية العراقية عند بداية الأزمة الإفادة من حيادية الأمم المتحدة وصدقيتها مقارنة بواشنطن التي اعتبرت طرفاً منحازاً لا يمتلك الصدقية المطلوبة لجمع العراقيين، جعل من إمكانية نجاح الأمم المتحدة في مساعدة العراق أمرا متاحاً.
لكن واشنطن أضاعت تلك الفرصة. ومهما تكن الصلاحيات التي ستمنح لبعثة الأمم المتحدة الى العراق الآن، لن يكون من السهل إصلاح ما أفسدته سياسات واشنطن عبر سنوات من التفرد في اتخاذ القرارات الخاطئة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ايمن الصفدي جريدة الغد