أول من أمس كنّا نشتبك في حوار ساخن حول موضوع الأقاليم واللامركزية، وأمس حسم الملك القرار اذ أكّد أن اللامركزية ستطبق على مستوى المحافظات، ما يعني تنحية فكرة الأقاليم الثلاثة الكبرى.
كان انطباعي وأنا أدير الحوار أول من أمس في الملتقى الوطني، تحت عنوان "اللامركزية والأقاليم من كل وجهات النظر"، الذي دعت اليه الهيئة الأردنية للثقافة الديمقراطية، تحت رعاية رئيس الوزراء، أن مشروع الأقاليم الثلاثة ما زال خلافيا لدرجة عالية، وأن كثيرين - بعيدا عن نظرية المؤامرة والاملاءات الخارجية- يعارضون أو يتشككون استنادا الى أسباب عملية وفنّية بحتة، وان لديهم تحفظات تتصل بالسياسات القائمة وكثير من التفاصيل المتعلقة بالتنمية والحكم المحلي (البلديات والمحافظات) ينبغي معالجتها قبل الحديث عن تجميع المحافظات في اقاليم.
بهذا الملتقى الحواري الذي شارك فيه محافظون ورؤساء بلديات كبرى وفاعليات من مختلف الأوساط والميول أردنا ان نضع الحوار على السكّة الصحيحة. والفكرة المحركة كانت ان تخفيف المركزية وتوزيع مركز الثقل من العاصمة الى المحافظات وتعزيز مشاركة الناس في تحمّل المسؤولية والقرار هو توجه اجماعي متفق عليه, ويبقى أن هناك اجتهادات متعددة لكيفية التطبيق ينبغي الانصات اليها وتوزينها وتمحيصها وصولا الى القرار الأمثل بديلا للتراشق عن بعد ونصب الشراك والمناكفة السياسية على خلفية المنافسة والمزاحمة بين مراكز النفوذ. ووفق الجدول المطروح من الحكومة فإن أمامنا اشهرا من الحوار الذي ترغب به الحكومة ايضا ويساعدها في حسم القرار.
لكن يبدو ان ما دار حتّى الآن كان كافيا لدفع صاحب القرار لحسم الأمر، والحقيقة ان من راقب احاديث جلالة الملك لا بدّ لاحظ تجنبه استخدام تعبير الأقاليم والاكتفاء بتعبير اللامركزية، ولم يكن ذلك عبثا. وفي الحقيقة أن هذا الحسم لا يحمل اي انعطافة دراماتيكية على الأرض، ففكرة الأقاليم الثلاثة بالأساس ليست مطروحة للتطبيق الفوري، وحسب الخطة سوف يسبقها عامان من التحضير، وفي الاثناء فتفاصيلها مطروحة للنقاش والأخذ والردّ، وصولا الى التطبيق الأمثل، وهو ربما يعني البدء على مستوى المحافظات ثم نرى بالممارسة اذا كانت تحتاج الى تجميع بعض المحافظات معا أو صيغا اخرى.
في وقت مبكر طرحنا، في هذه الزاوية، اجتهادنا الخاص بأن يبدأ مشروع "اللامركزية" على مستوى المحافظات ودعونا الى ان يرتبط بانتخابات لمجلس محافظة، وفق آلية متطورة تسهم في تحقيق التنمية السياسية، اضافة الى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبطريقة ترتقي بالحراك السياسي والتقدم الاجتماعي، وبهذا المستوى لا حاجة للانتظار عامين بل يمكن البدء من العام القادم.
والحقيقة ان الحكومة كان لديها تحفظ داخلي على صيغة الأقاليم الثلاثة، بعد دراسة كلفتها الادارية ومخاطرها، لكن الهجمة الشرسة من مواقع نفوذ رغبت باستغلال هذه القضية لإظهار تعارض الحكومة مع الإرادة الملكية، جعلت الحكومة تسارع الى تصريحات تؤكد القبول بتوصية لجنة الأقاليم، ولو انها عمليا دفعتها عامين الى الأمام.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جميل النمري صحافة جريدة الغد