تقرير المركز الوطني لحقوق الانسان لهذا العام والذي جرى تسليمه لجلالة الملك ونشرته الصحف أمس يؤكد أن المركز ما يزال على نفس النهج من الاستقلالية والمهنية والالتزام الذي عرفناه في عهد رئيس مجلس الأمناء أحمد عبيدات، والمدير العام شاهر باك، وها نحن نراه مستمرا مع رئيس مجلس الأمناء الجديد د. عدنان بدران ومديره العام الأستاذ محي الدين توق، فقد كان التقرير وهو الأول في عهدهما واضحا جريئا, إضافة إلى ما اتسم به من المهنية والاحتراف، مما يدلّ على أن مؤسسية وأعرافاً تخصّ أداء المؤسسات العريقة المعنية بحقوق الانسان باتت مستقرة وتحكم عمل المركز.
التقرير يتحدث عن نفسه، لكن ما أريد لفت الانتباه له هنا لا يتعلق بموقف الدولة التي نخاطبها غالبا بوصفها المسؤول الأول عن احترام حقوق الانسان بل بموقف المجتمع وسلوكه تجاه شريحتين هما النساء والأطفال، فالبنسبة لحقوق الانسان الخاصّة بالمرأة أقدمت الحكومة على خطوة ايجابية جديدة بالإقرار النهائي لاتفاقية انهاء كل اشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
لقد صدمتنا الضجّة التي اثيرت بهذه المناسبة وخصوصا رفع التحفظ عن البند الخاص بحق المرأة في التنقل والسفر واختيار محل الاقامة والسكن! اليس هذا من حقوق الانسان المدنية الاساسية؟ وهو بالمناسبة قائم الى درجة كبيرة في بلدنا، لكن البعض، ومنهم التيار الاخواني، مع الأسف حوّلها الى مناسبة للإثارة والمبالغة والاتهامات غير المعقولة بتشجيع الانحراف والتحلل والإباحية وهدم الأسرة وتدمير المجتمع وقيمه.. الخ. وهو ما يذكر بالحملة على موضوع الخلع الذي نرى، بعد تجربة سنوات، أنه لم يؤد الى تفكيك الأسر وانهيار المجتمع بل حلّ مشكلة فعلية لنفر معين من الناس، ولا شيء غير ذلك.
وكما في موضوع الخلع هناك فرضية منحازة وغير صحيحة على الاطلاق، فهل المرأة هي الأقل حرصا على الأسرة أو الأكثر ميلا للفساد؟! لماذا، إذن، افتراض أن إمساك الرجل بالقرار هو الذي يحمي المجتمع والقيم والسلوك. أليس العكس هو الصحيح في الغالب؟!
أعتقد أن هذه الضجّة المعادية لحقوق الإنسان ما دامت تخصّ المرأة هي استغلال سياسي وتجييش ينتهز المناسبة باللعب على وتر حسّاس في المجتمع دون وجه حق ويحمّل الاتفاقية بصورة مفتعلة ما لا تحمله، وللأسف هذا يحصل مع كل مقترح يُحسِّن ظروف المرأة ويرفع الحيف عنها.
أمّا بالنسبة للأطفال فقد صدمتنا مؤخرا حالات من العنف المخيف على الأطفال، وكان المتسبب احيانا افراد من الأسرة أو أولياء الأمر، وهو ما يستدعي إعادة تقييم الموقف الاجتماعي التقليدي عندنا والذي يعتبر العلاقة مع الاطفال داخل البيوت شأنا أسريا داخليا.
إن حقوق الطفل هي مبدأ عام، ونتوقع أن اهتمام جلالة الملكة بعد صدمة الحوادث الأخيرة سيعطي دفعة جديدة لنظام للتدخل يحقق رقابة المجتمع (الدولة) لحماية هؤلاء القاصرين. وثمّة احصائيات مرعبة عن نسبة العنف والانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال في المجتمع العربي يجب أن تصدمنا حول الأجيال الجديدة التي نهيئُها للمستقبل، ولهذا حديث آخر.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جميل النمري صحافة جريدة الغد