عدنا الى الزمن الذي كانت فيه النساء يمتن بسبب تعسّر في الولادة. يحدث هذا الآن في مستشفيات بين أيدي اطباء وممرضات، وليس في البيوت حيث لا تعقيم ولا وسائل تدخل علاجي وجراحي متقدمة. أول من أمس توفيت سيدة في المستشفى بعد الولادة.
بين يديّ ملف عن سيدة توفيت قبل بضعة اشهر بسبب نزيف بعد الولادة، وتشير الوثائق إلى أخطاء أدت أولاً إلى استمرار النزيف ثم تأخر في تنفيذ عملية استئصال الرحم، وهناك تفاصيل أخرى لا حاجة للحديث عنها هنا فقد لجأ ذوو الفقيدة إلى القضاء واختصروا طريق النقابة بعد أن اكتشفوا سريعا أن لا جدوى من طرق هذا الباب.
القضية ما زالت منذ 3 أشهر لدى المدّعي العام، وقد يكون السبب الآلية البطيئة والبيروقراطية للحصول على شهادات خبراء.
نسأل بهذه المناسبة عن قانون المحاسبة على الأخطاء الطبية، ونعرف أن الأولويات تتزاحم على طاولة وزير الصحّة د. نايف الفايز. لكن الأمر طال كثيرا، وهناك قضية جديدة كل يوم، ولعل الفصل من جهة محايدة وموثوقة يحمي سمعة الأطباء، ويحمي الثقة في المؤسسات الطبية.
نقابة الأطباء مستعدّة لإبقاء الموضوع معلقا إلى الأبد، فهي في الحقيقة لا تريد القانون، ونحن لا نلومها فلأول وهلة يبدو أن مصلحة الطبيب هي عدم وجود مساءلة على الأخطاء الطبية والنقابة مع مصلحة اعضائها. لكن الدولة ترعى مصالح جميع المواطنين وتقيم التوازن بينها. ووزير الصحّة يمثل الدولة، ونأمل أن يعود سريعا لفتح هذا الملف.
نعرف أن الطب أيضا اجتهادات ومدارس، وأيضا صدف سيئة وطيبة، وأن تعامل الناس مع الأطباء في مجتمعنا صعب (وصلوا إلى ضرب الأطباء!)، والمواطن يفضِّل أن يعتقد دائما أن جهدا كافيا لم يبذل أو أن ثمّة أخطاء فادحة يتمّ التكتم عليها قادت إلى نتيجة سيئة أو مأساوية، لكن من أجل قطع الشك باليقين وحماية للطبيب قبل المريض يجب أن يكون هناك جهة تحكيمية مستقلة وموثوقة غير لجنة التأديب في النقابة التي، في حدود معرفتي، لم تستطع ادانة طبيب بخطأ طبّي، لأنها هي الخصم والحكم. ومثل هذه الهيئة ستكون عونا للقضاء حين يتمّ اللجوء اليه لتسريع اجراءات التقاضي وتقرير التعويضات.
في الوسط الطبي والنقابي تقدم احيانا تبريرات للتلكؤ في عمل القانون من نوع أن المساءلة الطبية والتعويض يتطلبان نشوء نظام للتأمين الالزامي من قبل الأطباء ضد الأخطاء، وهذا التأمين سيرفع كلفة العلاج على المواطن. وهذه حجّة غير مقبولة ولا يمكن لمجتمع عصري أن يمضي إلى الأمام بهذه الطريقة، لكن يمكن لنظام التعويضات والتأمين أن يراعي إبقاء كلفة العلاج عند مستوى معقول، وهذا ممكن بتقنين نسب التأمين ونسب التعويضات.
ضحايا غياب المساءلة ليسوا المرضى فقط، بل أيضا الأغلبية الصالحة من الأطباء والمؤسسات الطبّية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

جميل النمري  صحافة  جريدة الغد