اتصل جلالة الملك عبدلله أمس بالرئيس علي عبدلله صالح للاطمئنان على الأوضاع في اليمن، وهي مثيرة للقلق فعلا فلأول مرّة منذ حرب الانفصال صيف العام 1994، تعود في الجنوب التظاهرات العنيفة ضدّ الهيمنة الشمالية.
نستذكر في تلك الفترة تدخل المغفور له الحسين رحمه الله ورعايته هنا في عمّان مؤتمرا تصالحيا بحضور الزعيمين علي عبدلله صالح وعلي سالم البيض وقيادات اليمن التاريخية كلها ونتج عن المؤتمر توقيع "وثيقة العهد والاتفاق" في 21-1-1994، لكن مع الأسف، فإن الصراع كان شائكا وعميقا والمصالح متضاربة، وظلّ الوضع يتدهور حتى قرار الرئيس علي عبدلله صالح بدء العمليات العسكرية في 4-5-1994 والتي ردّ عليها البيض بإعلان الرجوع عن الوحدة وانفصال الجنوب مجددا، وانتهت المواجهة باجتياح الجنوب وهزيمة الحزب الاشتراكي وفرار قياداته الى الخارج.
كانت الوحدة حلما وشعارا ثابتا عند كل اليمنيين، لكن صيغة الوحدة لم تكن موضع توافق في أي وقت، فقد كان هناك نظامان مختلفان بعمق سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، لكن في لحظة معينة أصبحت الوحدة مخرجا من المأزق العميق للحزب الاشتراكي الذي شهد عدّة أزمات وانقلابات، كان أكثرها كارثية انفجار المواجهة الدموية عام 1986 بين جناح رئيس الجمهورية علي ناصر محمد وجناح أمين عام الحزب عبدالفتاح اسماعيل، الذي انتصر في المواجهة لكن بثمن باهض حيث فقد الحزب مئات الكوادر والقيادات بينها عبدالفتاح اسماعيل نفسه.
وبالتزامن مع الانهيارات في المعسكر الاشتراكي توصل الجنوب والشمال الى توقيع اتفاق الوحدة في 30 نوفمبر عام 1989 وقيام الجمهورية اليمنية الموحدة في 22 أيار 1990.
كان الجنوب الأصغر بعدد سكانه وإمكانياته لكن الأكثر تقدما سياسيا واجتماعيا يخشى هيمنة الشمال, ولذلك فإن البيض كان يميل الى وحدة فدرالية تحفظ الحكم الذاتي لكل شطر بينما صالح يريد وحدة اندماجية كاملة، وتم التفاوض ايضا على وحدة الحزبين الحاكمين المؤتمر والاشتراكي، وفي النهاية فإن الدستور نصّ على الوحدة الاندماجية مع اتفاق ضمني على تقاسم السلطة بين الحزبين، ورفض حزب المؤتمر اقترح الاشتراكي بالتوافق على لوائح مشتركة بين الحزبين لانتخابات العام 1993 فكانت النتيجة انه جاء ثالثا بعد المؤتمر والإصلاح.
واستمرت الأوضاع بعد ذلك بالتدهور مع إحساس الحزب أن الخناق يضيق عليه كل يوم وكوادره تتعرض للاغتيال فبدأت عمليه انسحاب القيادات من العاصمة صنعاء الى عدن، حيث عاد يعتكف نائب الرئيس علي سالم البيض وبدأ شبح الانقسام يلوح مجددا.
ولم تنجح الوساطات الداخلية والخارجية بما في ذلك المحاولة الأكبر التي قادها الراحل الحسين مطلع العام 1994 حتى قاد الرئيس صالح الحسم العسكري في أيار من العام نفسه. الرئيسان السابقان البيض والعطاس من منفاهما يدعوان الآن الى انفصال سلمي للجنوب تحت رعاية عربية ودولية، ولسان حالهما يقول ما دامت الوحدة لا تتحقق بالقبول والرضا فليكن الانفصال بمعروف.
لا تبدو هذه الدعوة واقعية، وهي على الأرجح طروحات تفاوضية للضغط على النظام لصالح جبهة المعارضة في الداخل، التي لا تطرح الانفصال، بل الإصلاح، ومن المؤكد أن التمرد والنزعات الانفصالية ستتفاقم اذ لم يبدأ إصلاح حقيقي وفي إطاره مشاركة عادلة في السلطة والثروة للجنوبيين.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
جميل النمري صحافة جريدة الغد